ثقافةصحيفة البعث

“حكاية في دمشق”.. الانتصار للحب والأمل وتجاوز انكسارات الماضي

رغم حشد المؤسّسة العامة للسينما جلّ طاقتها في السنوات العشر الأخيرة لتقديم أفلام سينمائية روائية طويلة تعالج آثار أزمة السنوات العشر الماضية، بأسلوب مباشر، فإنها تميل في فيلمها الأخير “حكاية في دمشق”، للمخرج أحمد إبراهيم أحمد، والكاتبة سماح القتال، والذي انطلقت عروضه في محافظات عدة ومنها حمص، نحو تجاوز مشاهد الدمار والسلاح إلى حكاية ترمّم الإنسان من الداخل وتحتفي بالإنسان المحب الصادق والأصيل أصالة بيوت دمشق القديمة، رغم حضور الأزمة غير المباشر الذي يبدو أنه مقحم على حكاية تصلح لكل ظرف ومكان، لفتاة تعيش وحيدة مع ذكرياتها وأحلامها في منزل ورثته عن جدتها في دمشق القديمة، وتعمل في محل لبيع التحف والمشغولات اليدوية، وارتباطها الحميمي بالمكان والزمان والسكان يجعلها تشغل اهتمامها برجل لا تعرفه يقتحم حياتها، هو وجيه “غسان مسعود”، رجل غريب بتصرفاته يعزف على آلة العود، تعرف فيما بعد أنه يعاني اضطرابات نفسية سببها موت ابنته وحفيدته حرقاً في منزلهما بسبب حرص زوج ابنته زياد الزائد على حمايتهم من القذائف.

رغم محاولات لينا فهم سر علاقة وجيه مع زياد المتوترة دائماً والتي أماطت اللثام عنها في النهاية، لكنها تقرّر أن تتجاوز كل الماضي وترسم لنا طريقاً يقودها فيه قلبها، يتواءم مع أفكارها وأمنياتها.

هي الشخصية المحورية التي يشتغل عليها الفيلم لتكون الحامل الأساس للفكرة العامة، المتمثلة بأهمية الحب والتفاؤل في ترميم ما دمّرته سنوات عجاف في التكوين الإنساني للبشر، وهو ما عبّر عنه بالمشهد الأخير الذي يهطل فيه المطر رغم الأجواء الصيفية التي كانت تدلّ عليها ألبسة الشخصيات والمارة، ورمزية المطر يتبعها مشهد أخير للفتاة لينا التي قرّرت الاستغناء عن كل شيء وارتداء الفستان الأحمر والانطلاق في الطريق الذي يقودها فيه صفاء روحها الغنية بالحب.

يكثف الفيلم مقولة ينتصر فيها للأمل واستمرار الحياة بقلب أبيض وفكر منفتح على الحياة، والاختيار المناسب للمكان في دمشق القديمة بحاراتها وأزقتها الضيقة وأصالة سكانها وعشقهم للمكان جاء ملائماً ومكملاً لرومانسية الحكاية، فالفيلم لا يحتفي بانتصار الإنسان على أزماته وترميم انتكاساته المتعاقبة فقط، بل يربطه بالمكان الذي يجعل منه عنصراً أساسياً في تجميع المفردات السينمائية وتكوينها الدرامي، حيث يقودنا في لقطات متنوعة عبر أزقة حي باب شرقي القديم وأسطح بيوته المتلاصقة والحارات الضيقة التي بقيت صامدة بهية رغم ماتعاقب عليها من حروب وأهوال.

“حكاية في دمشق” لوحة تشكيلية فيها من الواقعية السحرية ما يجعلنا نتفاعل معها، نبتسم، ونحزن مع حزن شخوصها وفرحهم بعفوية لا تكلف فيها، أجادت جيانا عنيد على وجه الخصوص في معايشة شخصية لينا وخلق الروح والواقعية فيها، ونالت إعجاب الجمهور الكبير الذي عاند موجة الصقيع وأبى إلا أن يستمتع بلوحة فنية بصرية مشوقة.

آصف إبراهيم