دراساتصحيفة البعث

أمريكا وأوروبا ستدفعان ثمن العقوبات على روسيا

ترجمة: هيفاء علي

لا شك أن الأزمة الراهنة بين روسيا والغرب التي دخلت أسبوعها الثالث، والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا سيكون لها انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وعلى اقتصاد أوروبا بشكل خاص، ذلك أنها تواجه ركوداً وأزمة طاقة موجودة مسبقاً، وسوف تتفاقم بشكل كبير بسبب قيام ألمانيا بالتضحية بخط “نورد ستريم 2” لإرضاء الولايات المتحدة. في حين أن التضخم المتصاعد الذي تفاقم بسبب سعر النفط 100 دولار، سيتسبّب في أزمة بأسعار الفائدة والسندات السيادية، ورغم ذلك، فرضت أوروبا العقوبات على روسيا بعد تعرّضها لضغوط أمريكية كثيفة، والتي من شأنها التأثير بشكل مباشر على جيوب الأوروبيين.

وتخوض بعض الدول الأوروبية معركة خلفية للحدّ من العقوبات التي قد تؤدي إلى تفاقم الركود الأوروبي المقبل. لذلك، وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن أوروبا تفرض عقوبات على نفسها، وسوف تعاني أكثر من غيرها، وقد توعّدت موسكو بالردّ بطريقة قاسية. وبحسب هؤلاء، يجب أن يفسّر هذا العجز الكثير من إحباط وغضب الأوروبيين، بينما تزعم واشنطن أن لديها “سلاحاً قاتلاً” يستهدف موسكو والمتمثّل بفرض عقوبات على رقائق أشباه الموصلات. وباختصار، يمكن لسيطرة موسكو على المعادن الاستراتيجية الرئيسية أن تمنحها نفوذاً يمكن مقارنته بسيطرة “أوبك” الخانقة على الطاقة، في عام 1973.

وفي سياق متصل، أشار تقرير حديث نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى تداعيات العقوبات الأوروبية الجائرة ضد روسيا، على تعافي الاقتصاد الأوروبي من جائحة كورونا، مشدّدة على أن أسعار الطاقة المرتفعة ستؤثر بشكل سلبي على كل شيء في الوقت الذي يتباطأ فيه النمو ويزداد التضخم.

يُذكر أن روسيا تزوّد أوروبا بموارد الطاقة التي تُستخدم في تشغيل الأعمال التجارية والتدفئة والمعادن وسلع أخرى لصناعة الأسمدة الزراعية، في حين تصدّر أوروبا لروسيا الآلات ومعدات النقل.

وأضاف التقرير أن ارتفاع تكاليف الطاقة مع وصول سعر برميل النفط لأكثر من 100 دولار، سيكون له تأثير سلبي مباشر على التوقعات الاقتصادية لأوروبا، ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وتخفيض دخل السكان. مع العلم أن روسيا كانت خامس أكبر سوق خارجي للاتحاد الأوربي، حيث بلغ حجم المبيعات 89 مليار يورو عام 2021، فيما كانت ألمانيا ترسل 2% من إجمالي صادراتها إلى روسيا، أي ما يمثل 1% من ناتجها الاقتصادي، بينما كانت روسيا تشتري نحو 3% من صادرات بولندا.

وفي حال طال أمد الأزمة وتصاعدت وتيرة العقوبات في كلا الاتجاهين، وانخفضت إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، فقد يدخل اقتصاد منطقة اليورو في ركود خطير يمتد لأشهر طويلة. فيما أشار كبير الخبراء في وكالة “موديز” إلى أنه في حال قامت روسيا بتقييد إمدادات الطاقة أو في حال حدث أي ضرر في خطوط الأنابيب، فقد يشهد العالم ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، ما قد يؤدي إلى سيناريو التضخم المصحوب بركود اقتصادي، وحينها ربما يرتفع معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو إلى 6،3% في العام الجاري. وكان وزير الاقتصاد الفرنسي شبّه أزمة الطاقة الراهنة في حدّتها بالصدمة النفطية التي حدثت عام 1973. في حين حذّر الخبير الاقتصادي مايكل هدسون من ارتداد هذه العقوبات على أوروبا وأمريكا معاً، لأن روسيا تمتلك مقومات قوية لتفادي تأثيرات العقوبات عليها، كما تمتلك البدائل، والولايات المتحدة وأوروبا عاقبت نفسها لأن مثل هذه العقوبات سوف تسرّع عملية إزالة الدولار وتفكيك هيمنته على الاقتصاد العالمي، ذلك أن استبعاد روسيا من نظام “سويفت” المصرفي الذي يعالج 42 مليون رسالة تحويل يومياً ويعمل بمثابة شريان الحياة لأكبر المؤسّسات المالية في العالم، يمكن أن يأتي بنتائج عكسية ويزيد التضخم ويقرّب روسيا من الصين ويحمي المعاملات بينهما من العقوبات الغربية.