اقتصادصحيفة البعث

التنمية الإدارية بين الهدف والواقع والآفاق

 البعث – عبد اللطيف شعبان
التنمية الإدارية هدفٌ منشودٌ ومطلبٌ وطني مؤسَّسٌ له منذُ عقود، إلا أن ما تحقَّق في هذا الميدان حتى الآن أقل من الموعود، إذ كان المأمول تحقُّق المزيد في أقل من هذا الزمن المديد، واعترافا بالتعثر الذي حدث في هذا الشأن، فقد قضت التوجيهات الرسمية العليا قبل سنوات بضرورة تجاوز هذا القصور الملحوظ، والعمل الجاد والحثيث والمتابعة في برنامج التنمية الإدارية، ليصبح على مشارف الاكتمال نهاية عام 2018، ولكن ذاك العام انتهى، ولم تتواكب الأعمال مع الآمال.
وأنا أتفكر اليوم في واقع هذا البرنامج بعد انقضاء أربع سنوات من عام 2018، عثرت في أرشيفي على مادة صحفية منشورة يوم الاثنين 29 نيسان 2019، حول الإصلاح الإداري وأنه يسهم في رفع معيشة المواطنين، حيث أكدت وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف أن المشروع الوطني للإصلاح الإداري قطع مرحلة التأسيس في كل مستوياته، موضحة أنه تم تجهيز البنية القانونية والتشريعية والكادر البشري وأنشطة العمل، وقد تم وضع قواعد أساسية لا يمكن تجاوزها، باعتبار أن أي عملية للإصلاح الإداري تتجاوز البنية التنظيمية للمؤسسات هي منقوصة، وأوضحت أن خطة المشروع تهدف لتحسين بنية المؤسسات وأدائها وكفاءتها وتخفيض تكاليف تشغيلها، ما يؤدي إلى زيادة معدلات الناتج للاقتصاد الوطني، وهذا حتما سيؤدي إلى ارتفاع مستويات المعيشة للمواطنين وليس فقط الموظفين”.
وهنا من الجائز القول: من المفترض أن يكون التأسيس للبرنامج قد تم خلال السنوات العديدة السابقة التي سبقت كلام السيدة سفاف (أي قبل عام 2019) والتي كانت هي الوزيرة في الجزء الأخير من هذه السنوات، بدليل أن التوجيهات العليا الرسمية لم تأمر بإطلاق البرنامج والوصول إلى مشارف اكتماله نهاية عام 2018، ما لم تكن مرحلة التأسيس قد اكتملت قبل هذا العام، ومع ذلك فخطة المشروع المطروحة لم تكتمل حتى بعد مضي ثلاث سنوات على كلام السيدة الوزيرة، ولم تسفر أعمال الوزارة في مجال التنمية الإدارية حتى تاريخه، عن تحقيق تطلعات الوزيرة عن إنجازات أسفرت عن زيادة معدلات الناتج للاقتصاد الوطني، وارتفاع مستويات المعيشة، بل إننا نعاني من النقص، علما أنه لا جدال بأهمية إقرار البنية التنظيمية للجهات الرسمية (التي أشارت إليها السيدة الوزيرة)، الذي تم خلال ملتقى وزارة التنمية الإدارية الذي انعقد أواخر العام الماضي، حال كانت الأنظمة الجديدة حديثة ومتطورة (لا متغيرة فقط)، خاصة وأن الجميع يعرف أن المعانات الكبيرة المعهودة، تتجلى في ضعف تطبيق ما هو إيجابيا في الأنظمة، أكثر من السلبيات التي يحتج بها البعض لتجاهل تطبيق الإيجابيات.
قد يكون من الإجحاف القول بضعف إنجازات وزارة التنمية الإدارية، ولكن يبدو أن الكثير من الإيجابيات المتحققة غير الملموسة، مُغطَّى عليها بالقليل من السلبيات المحسوسة، ومن هذه السلبيات التعليمات التي صدرت مؤخرا عن وزارة التنمية، والقاضية بعدم جواز طلب وظيفة من مواطن متقدِّم للمسابقة الأخيرة، في جهة إدارية حال كان له قريب مسؤول في تلك الجهة، ومثلها التعليمات التي قضت بعدم أحقية المواطن، التقدم لعمل في أكثر من محافظة، وأيضا عدم جواز تقدم أو ترشيح عامل لتبؤ مهمة قيادية في إدارة، حال كان له قريب يعمل بها، والسؤال: ما هي التنمية الإدارية التي ستتحقق من وراء هكذا تشريعات، أليس من حق المواطن العمل في المحافظة التي يريد حال رغب واستطاع ذلك، وما هي مثالب ومنعكسات عمله حال كان له قريب في الجهة التي يعمل بها (أكان رئيسا أو مرؤوسا)، خاصة في الظروف الراهنة التي حكمت اختيار العمل في منطقة السكن أو قيد النفوس التي غالبا تضم الأقرباء.
وبالتالي أستميح السيدة الوزيرة أن أقترح عليها – عملا بتوجيهات السيد الرئيس القاضية بضرورة لقاء المسؤولين بالمواطنين – الإعلان عن تنظيم ملتقيات عامة مفتوحة مع المواطنين – بحضورها مع بعض كوادرها – في جميع المحافظات خلال الأشهر القادمة، بمعدل لقاءين كل أسبوع في محافظتين، كي يتضح للجميع بشكل جلي إلى أين وصل برنامج التنمية الإدارية، وما هي الآفاق المستقبلية القريبة والبعيدة له، ولا يغرب عن البال أن للأزمة التي نعيشها منذ سنوات دور خطير في إضعاف الانجازات على جميع المستويات، ولكن من غير الجائز استخدام الأزمة شمَّاعة لتبرير الكثير من التعثرات والقصورات، والضرورة تقضي أن يحاط المواطن علما بإيضاح ما يتعلق بكل ذلك من تفصيلات، تضيء له ما يعتريه من تخيلات، وتضعف ما يعانيه من إرهاصات، وتظهر له ما تم من مبادرات خلاقة وإبداعات متميزة، ولربما تستفيد السيدة الوزيرة من بعض الرؤى والطروحات والتساؤلات، خاصة وأن للتنمية دورها الهام والفاعل في جميع المجالات.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية