ثقافةصحيفة البعث

الأرشمندريت اليوناني كابارنوس: سورية علامة على وجه الأرض

“قد وجدنا طريق دمشق”، عنوان أمسية الموسيقا البيزنطية التي ارتبطت بالكنيسة وتعدّ من أقدم أنواع الموسيقا وتتميّز بعلامات موسيقية وسلالم خاصة، معتمدة على خلفية الصوت البشري، قدّمها بأجواء روحانية الأرشمندريت اليوناني العالمي كابارنوس مع فريقه المؤلف من عازف “الإسيو كات”، ومرنمين بمشاركة جوقة الكنّارة الروحية بقيادة الأب ملاتيوس شطّاحي على مسرح الأوبرا على مدى يومين، والتي أطلق منها رسالته إلى كل العالم بأن سورية لا تتغيّر، هي علامة على وجه الأرض، هي مهد المسيحية والحضارات ومهد القديس يوحنا الدمشقي الذي أعطى أسس الموسيقا البيزنطية التي انتشرت في كل الكنائس المشرقية.

الحضور البهي للأرشمندريت كابارنوس وصوته الجميل المنساب عبْر مقامات الصوت وترنيماته المتدرجة والامتدادات الطويلة بالقفلة، تكامل مع الشاشة الثلاثية التي دخلت بعوالم رمزية تبحر بعلاقة المؤمنين بالخالق. وكان لكورال الكنّارة الروحية دور بالتناوب مع المرنم كابارنوس والترديد في مواضع مع تقنيات الآهات، كما تابع الترتيل في بعض القطع.

وتكريماً للأرشمندريت كابارنوس قدّمت وزيرة الثقافة لبانة مشوّح مع غبطة البطرك يوحنا يازجي درع أيقونة عذراء دمشق، فوجّه شكره إلى وزارة الثقافة والسيدة الوزيرة ودار الأوبرا ممثلة بالمايسترو أندريه معلولي وغبطة البطرك يوحنا يازجي على كل التسهيلات التي قدمت له لإنجاح هذه الأمسية، مستغرباً من التضليل الإعلامي الذي يشوّه صورة سورية بعدما فوجئ بعدد السكان الذين بقوا فيها وتمسكوا بأرضهم.

بُنيت الأمسية على التناغم بين الآلة الوحيدة “إسيو كات” والمرنم والكورال، فبدأت بترتيلة تمهيدية ثم الترتيلة التي تقربنا من مملكته التي نحياها كل يوم، ثم تتالت التراتيل على وقع الموسيقا البيزنطية “يا إلهي اغفر لي أخطائي” على مقام الصبا، وبعدها الانتقال إلى ترنيمة بإيقاع بطيء وبصوت خافت “عند الله كل شيء” على مقام الراست، ثم “لقد قمت من بين الأموات، وقيامتك رجاء للجميع” على مقام فاريس، وعلى تأثير صورة الصليب المقدس شغلت ترتيلة “عروساً لا عروس لها” حيزاً كبيراً من الأمسية بالتناوب والترديد بين المرنم والكورال.

دمشقيات

ثم قدمت مجموعة تراتيل من قطع آيات آخر الغروب باللحن السابع، منها: “افتح لي أبواب التوبة” ثم مقطوعة من الدمشقيات ملحنة من قبل القديس يوحنا الدمشقي “كل الأشياء البصرية التي لا توجد بعد الموت هي باطلة” وبإيقاع صوتي متغيّر قدم كابارنوس كيرياليسون (يارب ارحم) بتلوينات صوتية متدرجة وممتدة وشارك بها الجمهور الذي يصغي بشغف بترديد “يارب ارحم”.

.. إلى العالم

وبعد الأمسية التي استمرت ساعتين تحدثت “البعث” مع الأب ملاتيوس شطّاحي قائد كورال الكنّارة الروحية عن آلة “إسيو كات”، فأوضح أنها تعتمد على خلفية الصوت البشري وليست موسيقا، وتابع عن خصوصية الموسيقا البيزنطية التي ليست للمتعة وإنما لتقربنا من الله وتجعلنا نصلي أكثر وتعود أهميتها إلى منشئها من بيئتنا من دمشق، إذ وضع أسسها القديس يوحنا الدمشقي، فأخذت ألحانها من أرضنا وهي قريبة من الإنسان السوري ومصدر راحة له، انطلقت من دمشق وانتشرت في أرجاء العالم، وأمسية اليوم “قد وجدنا طريق دمشق” تشير إلى أن كلّ الدول تجد طريقها إلى دمشق، لتشكرنا على هذا الإرث والتراث الذي نفتخر به، وعلينا الحفاظ عليه والاهتمام بالموسيقا البيزنطية لأنها جزء من التراث السوري، وهذه أيضاً دعوة الأب كابارنوس لأن الموسيقا البيزنطية هي موسيقا سورية أغنت العالم.

صوت واحد 

أما عن أعضاء الكورال فكلهم محترفون ويقرؤون الموسيقا البيزنطية المتشابهة مع الموسيقا الشرقية بوجود الربع تون، ونوّه بأن تعدّد أصوات الكورال بالموسيقا البيزنطية غير موجود، فالصوت المرافق ليس صوتاً ثانياً وإنما “إيسون” أي خلفية للصوت. وأشاد الأب شطّاحي بإقبال الجمهور ونفاد البطاقات بوقت وجيز لحضور عدد من الجمهور من خارج سورية ومن محافظات أخرى خاصة من حلب.

وأبدى إعجابه بالمرنم كابارنوس الذي حقّق شهرة على مستوى العالم، وبالهدوء الذي يرتل به ويعدّ مصدر راحة لكثيرين، وكورال الكنّارة الروحية المتخصّص بالموسيقا البيزنطية كان قادراً على مرافقته، وجميل أن نجمع كل هذا الجمهور في دار الأوبرا.

ملده شويكاني