مجلة البعث الأسبوعية

الاعلام الغربي الكاذب.. من صربيا الى العراق وسورية ومن جورجيا إلى “الميدان”

البعث الاسبوعية-هيفاء علي

بثت وسائل الإعلام الغربية المهيمنة صوراً حزينة للسكان الفارين من الصراع على أنهم الضحايا العزل الذين لا يمكن أن تكون أي حرب أمامهم سوى ظالمة وفاضحة. وقد أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى أن الأطفال هم أول الضحايا، واتهمت بوتين بإعادة الحرب إلى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. لكن يبدو أن لرئيسة المفوضية ذاكرة قصيرة، لأن الحرب في أوروبا اندلعت بالفعل في البلقان في التسعينيات، وبلغت ذروتها في قصف الناتو لبلغراد، العاصمة الأوروبية، والذي قُتل فيها عدة آلاف من المدنيين، فيما هرب كثيرون الى إيطاليا، بما في ذلك حافلات مليئة بالأشخاص المصابين وهم يعبرون الجسور، ونفس الكوسوفيين الذين كانوا يقاتلون من أجلهم، وقتلتهم طائرات الناتو أثناء فرارهم من الحرب. ألم يكن هناك أطفال في بلغراد؟. نعم كان هناك لكن وجوههم لم تظهر في الصحافة الغربية، ولا حتى بعد سنوات، حيث استمروا في الفناء بسبب ارتفاع نسبة الأطفال المصابين بالسرطان الناجم عن اليورانيوم المستنفد الذي صنعت منه قنابل الناتو.

العراق….

كما بات معروفاً للجميع، تم غزو العراق بناء على كذبة كبيرة هي امتلاكه أسلحة دمار شامل، والجميع يعلمون كيف تم تلفيق مثل هذه الأكاذيب من قبل ادارة بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. هذان الاثنان تسببا في مقتل ما لا يقل عن نصف مليون شخص، وقد تم استخدام أسلحة محظورة بموجب الاتفاقيات الدولية (الفوسفور الأبيض على المدنيين في الفلوجة)، ورغم ذلك، لم يتعرض أي من مبتكري مثل هذه الأخبار الكاذبة الضخمة للملاحقة القضائية، بل عاشوا بنعيم. ولم تخصص وسائل الإعلام جل وقتها للحديث عن ذلك العدوان ولا عن الضحايا والأمراض التي خلفتها الأسلحة الأمريكية المحرمة دولياً ضد الشعب العراقي. بينما تنتشر اليوم صور المواطنين الأوكرانيين وهم ينقذون الكلاب والقطط على الشاشات الغربية أو على شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الصور الكلاسيكية لحاضنات الأطفال حديثي الولادة، والتي كانت بالفعل الدعامة الأساسية للدعاية الأمريكية في الكويت قبل حرب الخليج عام 1993: “لكل حرب نفس الصور الدعائية تتكرر ويخرج الغربيون ذو الذكريات القصيرة وهم يذرفون دموع التماسيح كما حدث في سورية واليمن والعراق”.

سورية….

لقد تجلى الكذب والتضليل الاعلامي الغربي في أقصى درجاته وإنفضح في الحرب الغربية الكونية الشرسة على سورية، حرب بالوكالة قادتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا التي استقدمت المرتزقة الإرهابيين من كل أصقاع الأرض، ومن ثم سلحتهم ودربتهم، ومولتهم من أموال مشيخة قطر ومملكة آل سعود، بينما تولى النظام التركي مهمة إرسالهم الى سورية من أراضيه. ولم تكتف بذلك، بل فرضت العقوبات على الإقتصاد السوري وعلى الشعب السوري، وبالتالي تتحمل مسؤولية المعاناة اليومية الصعبة التي يعيشها السوريون. في هذه الحرب دارت آلة البروباغندا على أكمل وجه، وحولت الإرهابيين القتلة الى ” معارضين معتدلين”، وجعلت ” شهود العيان” نشطاء في مجال حقوق الانسان ويتحدثون بلسان السوريين عما يجري على الأرض وهم خارج سورية. فيما نصب المعتدعون أنفسهم ” محامي دفاع عن الشعب السوري”، وهم السبب في معاناته اليومية. حتى كذبة ” استخدام الأسلحة الكيميائية” انكشفت وانفضحت في محكمة لاهاي نفسها، بعدما تبين بالصور والوثائق كيف تم تصوير المشهد في دوما لإتهام الجيش السوري بضرب المدينة بالأسلحة الكيميائية.

المثال الجورجي والصديق ساكاشفيلي

الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، في منصبه بين عامي 2004 و2013، اتهم في عام 2014 من قبل القضاء بتهمة الاحتيال والقتل، بالطبع، تحدثت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد النظام القضائي، ولكن في هذه الأثناء انتقل ساكاشفيلي إلى أوكرانيا حيث أصبح حاكم أوديسا حيث رأت حكومة البلاد أنه من المناسب منحه حكومة منطقة أوديسا، بفضل وساطة السياسي الفرنسي في الاتحاد الأوروبي رافائيل غلوكسمان، الذي ألف ساكاشفيلي معه كتاباً بعنوان “الحرية”.  تزوج غلوسكسمان من إيكا زغولادزي، نائبة وزير الداخلية في جورجيا. وبعد هروب ساكاشفيلي، يحصل الزوجان الجميلان على الجنسية الأوكرانية وسيحكمان أوديسا. طُرد ساكاشفيلي أيضاً من أوكرانيا، وأصبح عديم الجنسية، لأنه لم يرغب أحد في إعادة جواز سفره إليه حتى أعاده الرئيس الأوكراني الجديد زيلينسكي، في عام 2019، إلى منصبه وعينه رئيساً للمجلس الوطني للإصلاح.

مذبحة أوديسا عام 2014

من ناحية أخرى، قامت ميليشيات “آزوف” بذبح عشرات المدنيين الروس في عام 2014، وقتلتهم بدم بارد أثناء لجوئهم إلى مبنى سكني هرباً من أعمال الشغب في الشوارع. ومن ثم اندلعت الحرب في أوكرانيا اعتباراً من عام 2014، حيث خلف الصراع في شرق البلاد آلاف القتلى، مع رغبة واضحة من الميليشيات في القيام بتطهير عرقي ضد الروس، الذين يمثلون نسبة كبيرة من عدد السكان. في هذه القضية يبدو أن عملية التطهير العرقي تلك لم تراها الأعين في محكمة العدل الدولية في لاهاي.  حتى أنه كانت هناك قضية أندريا روتشيللي، المراسل والمصور الإيطالي الذي قُتل على يد رجال الميليشيات الأوكرانية، في عام 2014، في دونباس، وهي جريمة قتل حققت فيها العدالة الإيطالية، والتي حددت بعض المسؤوليات مع ذلك تم إنكارها، حتى من قبل زملائه الصحفيين الذين يتابعون الأحداث اليوم.  كما تم حرق العشرات من أعضاء وأنصار الحركة المناهضة للميدان الذين لجأوا إلى دار النقابات العمالية في أوديسا في 2 ايار 2014 أحياء أو خنقاً، بينما انتهى الأمر بالآخرين بالموت عندما قاموا برمي أنفسهم من النوافذ هرباً من الحريق.

بدايات أحداث “ميدان”

لم يعد هناك أي صدى للمذبحة الشنيعة التي وقعت في 20 شباط 2014 خلال الاحتجاجات ضد الحكومة الموالية لروسيا، وقيل إن القوات الحكومية أطلقت النار على الحشود، مما أسفر عن مقتل مدنيين وحتى رجال شرطة. كانت الحلقة التي قضت بانتهاء الحكم وأطلقت كل ما حدث بعد ذلك حتى الأحداث المعاصرة. في عام 2018، كشفت حلقة من برنامج” ماتريكس” بالإضافة إلى الصحافة الإيطالية، كيف تم التعاقد مع القناصين الجورجيين من قبل متسلل أمريكي هو كريستوفر بريان. أيضاً في هذه الحالة، ميخائيل ساكاشفيلي هو بطل الرواية. وهذا مقتطف من البيان: “بلغت الحركة الرجعية الجماهيرية في ميدان، التي هزت كييف قبل 4 سنوات فقط وأدت إلى الإطاحة بحكومة يانوكوفيتش،  ذروتها في 20 و21 شباط 2014 أثناء تبادل إطلاق النار بين شرطة بيركوت، الحرس الحكومي المختار، والمتظاهرين، مات أكثر من مائة شخص، حسبما  يتذكر ألكسندر ريفازيشفيلي أحد الجورجيين مع أوكراني أطلق على نفسه اسم أندريا، وآخر  أمريكي يرتدي زياً مموهاً، وهو جندي سابق في الجيش ، قدم نفسه على أنه كريستوفر بريان، وأنه مدرب أعمال حيث قام هو عدد من الجورجيين بالصعود الى سطح أحد الفنادق في أوكرانيا وإطلاق النار على المتظاهرين ورجال الشرطة في “ميدان” لمدة نصف ساعة كاملة، ومن ثم تلقوا الأوامر بإخفاء الأسلحة ومغادرة المبنى على وجه السرعة والتواري عن الأنظار”.

 اعتداء ديمقراطي على البرلمان!

في أعقاب هذه المجزرة، اضطرت حكومة يانوكوفيتش، وهي حكومة منتخبة، إلى الفرار من البلاد بعد غزو الميليشيات المسلحة للبرلمان في عمل غير قانوني. وهنا يبرز السؤال التالي لماذا شعر الأمريكيون بالغضب من الهجوم الأقل دموية على مبنى الكابيتول هيل، في الوقت الذي حدث فيه هذا الإنقلاب المدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بقيادة رجال الميليشيات الذين تولوا قيادة أوكرانيا؟ وهل يعتبرون أن هذا دليل الديمقراطية؟.

حقيقة، كان هناك دعوات إلى المنطق والعقلانية منذ عام 2014 من قبل سياسيين غير موالين لروسيا مثل هنري كيسنجر، الذي قال إن افتراض انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي سيؤدي حتماً إلى الحرب، وتمنى لأوكرانيا وضعاً مشابهاً للوضع في فنلندا، التي تتعاون اقتصادياً مع أوروبا الغربية، لكنها تظل محايدة. وعلى عكس تلك الدعوات، يظهر اليوم، مرة أخرى، رافائيل غلوكسمان، مستشار ميخائيل ساكاشفيلي الفرنسي، وهو يوقع نداءً مع مئات السياسيين و “المثقفين” الفرنسيين للمطالبة بالاعتراف الرسمي بأوكرانيا كدولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي. بالتأكيد الأوكرانيين هم ضحايا مثل الكوسوفيين والجورجيين والعراقيين واليمنيين والسوريين من قبلهم.