صحيفة البعثمحليات

فقاعة صوتية..؟!

بشير فرزان
تصرّ وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على حالة التباهي بدورها المهمّ والمحوري، في كبح جماح الغلاء وضبط الأسواق، من خلال متتالية الضبوط التي وللأسف ليست إلا محاولة يائسة لذر الرماد في العيون كما يُقال، وذلك لضمان حضورها الفعّال داخل الأسواق، في وقت تؤكد مؤشرات الأسعار التصاعدية تلاشي وغياب أي رقابة، فالغلاء الذي يضرب بشدة مختلف المواد والبضائع يقتصّ باستفحاله وتوحشه من فعالية تلك الأذرع التموينية التي تضيع  في النهاية في زواريب الانتفاع والرشوة والبحث عن مصلحة التاجر.
وما يثير الغرابة أن استفحال الفوضى في الأسواق ترافق مع ذلك الضجيج الفيسبوكي الوزاري الذي لم يهدأ حتى هذه اللحظة، مدعماً بقرقعة الجولات الميدانية التي شغلت بال الناس ولاقت اهتماماً واسعاً في الأوساط الشعبية، ولكن يبدو أن الانطلاقة كانت متعثرة تحت وابل من المبرّرات والتعقيدات التي التهمت فرحة الناس بهذا الهدير الرقابي والوعود التي انتهت كـ “فقاعة صوتية”، فرغم المشاعر الجياشة التي تزنر الجهود الرقابية المبذولة، إلا أنها تبقى مجرد أحاسيس زائلة وتسقط أمام ما يحدث في الأسواق!
وما يفجع الواقع المعيشي أكثر أن سلبية الجهات الرقابية المعنية، على مختلف مستوياتها، اغتالت دخل أصحاب الدخل المحدود وغير المحدود، بينما تستمر المديريات بوضع “النياشين” والأوسمة على مكاتبها التي فقدت أبسط مظاهر حضورها الوظيفي الذي يناجي ثقافة الشكوى ليكون أكثر تفاعلاً مع المستجدات، بينما المخالفات تتكاثر وتزداد بمظلة القوانين المغيبة قسراً عن ساحة التنفيذ!!
ورغم انعدام الثقة بنتائج الحالة التشاركية الرقابية والدعوات لتفعيلها، إلا أن سخونة المواجهة مع الغلاء تضع الجميع أمام حقيقة دورهم الغائب، وخاصة أمام حالة النأي بالنفس “كمواطنين” عن القيام بالمهمات التي يفرضها الضمير والواجب الأخلاقي تجاه المجتمع وحياتهم، فالجميع يمتلك الجرأة لتوجيه الانتقادات والاتهامات، بل التشكيك والطعن في جهود الآخرين، وتحميل ذلك الآخر المتمثّل بالجهات المعنية (حماية المستهلك) مسؤولية التقصير وتفاقم المشكلات وغياب المعالجات التي يتمّ انتظارها منذ سنوات، وهم في حقيقة الواقع جزء لا يتجزأ من أسباب غيابها وعقبة أساسية في خطوات إزالة آثارها الكارثية، وهو التعبير الذي نستخدمه في أكثر الأحيان لوصف الحالات التي نتحدث عنها. أما المعضلة الأكبر التي لا نجد لها حلاً، فتتمثّل بتلك الإشارات الاستفهامية الجاهزة والمتشابكة كشبكات عنكبوتية مترصدة لأخطاء الغير بصفته الرسمية.
ومن المؤسف أنه، بدلاً من مساعدة الجهات الرقابية في أداء مهامها الرقابية، يتهرّب المجتمع المحلي من ذلك تحت عناوين عديدة تدخل في سياق طويل من المفاهيم المغلوطة (ما دخلني – حرام)، في حين تستمر ماكينة انتقاد الأداء الرقابي في تشويه سمعة المؤسّسات والتقليل من شأن جهودها وعملها وملاحقة كل ما تقوم به بتهمة الفساد، وبشكل يعزّز القطيعة مع الجهات المعنية ليتمّ التعامي عن هذه المهمة التي نضعها في مقام المهام الوطنية، كونها تشكل أولوية في مواجهة جشع التجار وإفشال محاولاتهم لاستثمار واصطياد أي حالة تعافٍ داخل الأسواق.
إن الظروف الحالية تحتاج إلى خلق حالة من التفاعل الرقابي لوقف تفاقم المخالفات، وخاصة لجهة ارتفاع الأسعار والتلاعب بالمواصفات من خلال تحمّل المسؤولية ولعب دور الشريك الرقابي، وبذلك يمكن إدانة الجهات الرقابية وإثبات تقصيرها بعد امتلاك الدليل المتمثل بإجراء اتصال هاتفي على الرقم 119، والإبلاغ عن أي حالة خلل، ومن ثم متابعة الإجراءات المتخذة بحق المخالفة والحكم عليها بالإيجابية أو السلبية الناتجة عن “الفقاعة الصوتية”!