ثقافةصحيفة البعث

معرض غسان النعنع: الرسم بالضوء الرطب

تعرض حالياً في صالة كامل للفنون الجميلة أعمال الفنان التشكيلي السوري غسان النعنع الذي يعد واحداً من أبرز المصورين السوريين بما تمتاز أعماله من خصوصية على مستوى الموضوع وحرفية الفنان الرسام العارف بقيمة الضوء في اللوحة فهو صانع للوحات آسرة يقع مصير مفرداتها تحت بقعة من رحمة خاصة يجلوها النور الداخلي الذي يستوطن قلب هذا الفنان الشفاف القادم من أزمنة استوطنتها الرومانسية والحلم وحكمة الأنبياء وقدسية المعابد القديمة، لوحة غير عادية حاضرة في وجدان صائغها المرهف المتواضع، وحسبي أن هذه اللياقة لا يمتلكها إلا القلة القليلة من تلك الكوكبة التي تنتج اللوحة وتعيش عوالم الإنتاج التشكيلي في هذا الوقت المدجج بالفجاجة والقبح وفساد الفن والتلطي خلف مسميات مواكبة الحداثة ونزعات التشيؤ.

تفرد هذا المعرض بنسج حكاية بصرية حول العروس.. وأي عروس هذه التي تلبس بياض الطهارة بين أناس شفهم الضوء وكأن هذا العرس موكب حواس تتوسطه امرأة ترسم حدود جديدة لمدينة غير موجودة إلا في الروايات والقصص الخرافية أو سير القديسين حيث يقف النعنع راوياً بصرياً عن تلك العوالم الساحرة وبيده شمعة ينبعث ضوءها على اللوحة والرائي معا أشبه بسرديات جبران خليل جبران وسيرة أولئك القديسين الذين طافوا شرق المتوسط.. من أين لك كل هذا!؟.

ضربات الفرشاة اللامتناهية ترسم موسيقى الضوء وتخفي خطوط الملامح التي تغيب في سديم من اللون البرتقالي المصفر وبعض من الأزرق الخجول، مشاهد وكأنها الزفاف الأخير الذي يستعير حيرة استوطنت الأجساد المحيطة ببقعة الضوء القادمة من عروس لا تشبه النساء فقط تتعدى إلى ملائكية المرأة.

صياغات تصويرية تحلل كل بقعة من سطح اللوحة، فلا مساحات واسعة وكل من نراه ملونا يحتمل عند غسان النعنع تفاصيل أكثر واشتقاقات غير متناهية من هذا اللون الذي يستدرج رائيه كالخدر نحو درجات أكثر تحليلاً وترنيماً وكأن هذا المصور موسيقياً يبحث في أقل من نصف العلامة الموسيقية مثل أي عازف شرقي يرقص قلبه على أطراف حواسه طرباً بالجزئيات، فنجد فرشاة اللون تلوب في درجات اللون الواحد وقد تخدش السطح وصولاً إلى أقل كمية من اللون تبقي على سطح القماش حساساً ومهيئاً لوظيفة تكامل توزيع الضوء بشكل عادل في وقت من فجر رطب.

غلب على اللوحات القياس الكبير نسبياً إضافة إلى عرض لوحة ثلاثية ضخمة، وهذا الإنجاز من النادر أن تستوعبه صالة عرض إن لم تكن مهيئة لذلك فضلاً على كفاءة الفنان المتمكن من السيطرة على هذه المساحة وتنتمي هذه الأعمال للقياسات المتحفية التي يفتقدها منتجنا التشكيلي السوري عموماً لصعوبة ترويج واقتناء وتنفيذ مثل هذه الأعمال، إلا أن صالة كامل استطاعت تجاوز ذلك عبر عدة معارض سابقة تنحو هذا النحو من القياسات لبعض الفنانين المتميزين.

المعرض مستمر حتى نهاية شهر آذار ومن المحتمل تمديده نظراً لأهميته واستمرار تردد بعض الزوار لهذا المعرض المهم.

أكسم طلاع