مجلة البعث الأسبوعية

بمناسبة يوم المسرح العالمي  د.تامر العربيد: نقدم للمسرح خريجين أكاديميين ويؤلمني اتجاههم نحو الدراما التلفزيونية

البعث الأسبوعية- أمينة عباس

تسلم عمادة المعهد العالي للفنون المسرحية بين العامين 2014 و2016 وعاد إليه في العام 2021 ويبين اليوم أن مشروعه هو مشروع المعهد المؤسسة الأكاديمية التعليمية التي يجب أن تكون محترمة بتاريخها الطويل والغني، مؤكداً وهو الذي كان طالباً فيه أنه لن يقبل أي ما يطال هذه المؤسسة التي يجب أن تظل بمستواها اللائق كحالة نوعية في سورية التي خرجت العديد من النجوم بحضورهم الطاغي على الساحة العربية والذي هو تأكيد على أهمية المعهد ونجاحه في إعدادهم وتأهليهم.

*في يوم المسرح العالمي ماذا تقول لكل من تخرّج ومازال يدرّس في المعهد وللعمداء الذين تناوبوا على عمادته؟

**كل عام وأنتم والمسرح بخير، وعشاقه والمسرحيون الصادقون الأوفياء لهذه الخشبة التي تعشق الصدق بألف خير، وللجمهور المسرحي الوفي الذي هو معيار حضورنا ونشاطنا، ولخريجي المعهد أقول المعهد مشتاق لكم، وأرفع القبعة لمن لهم حضور على خشبة المسرح وللدارسين فيه وما زالوا، وأقول المسرح فنّ الوفاء والصدق، لذلك أتمنى أن تكون للمسرح مساحة كبيرة في حياتهم مهما كانت المغريات لأن المسرح فن حيّ، والحضور على خشبته حضور للذات والإبداع والتميز، ومن هنا أدعوهم لأن يبقوا الأبناء الأوفياء للخشبة.. وللعمداء الذين تعاقبوا على إدارة هذه المؤسسة الإبداعية أقول لقد زرعتم فأحسنتم الزرع، وهذا الغرس ينبت اليوم على مساحة الخارطة الفنية ليؤكد أن المعهد واحد من المدارس الإبداعية الأكاديمية المميزة على مساحة الوطن العربي، وأن جزءاً كبيراً من عملنا في المعهد أن نُكرّس حالة الوفاء لكل العمداء والأساتذة والأكاديميين الذين كان لهم الفضل في قيام المعهد واستمراره في تقديم المبدعين إلى الوسط الفني.

*تسلمتَ عمادة المعهد بين العامين 2014 و2016  وعدتَ إليه في العام 2021 فما تقييمك للمرحلتين؟ وما الذي تغير في المعهد خلال هذه السنوات؟

**الحكم على فترة عمادتي الأولى متروك لمن يتابع شأن المعهد ومستوى خريجيه والعمل فيه، ويجب أن نعترف أن المعهد مؤسسة إبداعية قد يشوب خطها البياني بعض الهفوات، لكن ما هو مؤكد أن القيمة والإرث الإبداعي له يظل بمثابة حصانة له وهو الذي يستند على خلفية إبداعية وأكاديمية رفيعة المستوى تجعلنا نتجاوز دائماً كل الهفوات، ولا شك أن الزمن تغيّر، والظروف كذلك ومستوى المتقدّمين، لكن نحن قادرون على تجاوز كل هذه الأمور، ونعمل في الفترة الحالية على ذلك، ومشروعي كعميد هو مشروع المؤسسة في أن يبقى هذا المكان بسوية عالية، وأن يعادل بسويته الأكاديمية والإبداعية الأكاديميات الأخرى، وأن يبقى المكان النوعي إبداعياً لإعداد المبدعين في الوسط الفني، وأنا حريص على إنعاشه وتطويره وخلق الفرص والمساحات الإبداعية الجديدة إن كان على صعيد ورش العمل أو تطوير المناهج وإقامةالفعاليات التي تضع المعهد في المكان الإبداعي اللائق الذييحفّز العاملين والطلبة ليشعروا بأهميته ومسؤوليتهم فيه بأن يستزيدوا من البحث وبناء النفس ليكونوا ممثلين على قدر الطموح .

**مرّ المعهد بمراحل متعددة،فماذا عن المرحلة الحاليّة؟

**ما هو مؤكد أن الطموح كان دائماً أن يكون خطه البياني متصاعداً، وتقييم المرحلة الحالية منوط بالمشتغلين في المعهد ومن يتابع نشاطاته، فهم الأقدر على فعل ذلك، ولكن أستطيع القول أننا اليوم نسعى بشكل جاد لتطوير المناهج والمستوى البحثي فيه والبحث الدائم عن أشكال جديدة وتنشيطه من خلال فعاليات تعيد له حضوره وتغني المنهج الأكاديمي لطلابه، وهذا يجعلنا نقول أننا نسعى للكثير من التعديلات والإجراءات التي تطور آلية عمله على المستوى الإداري والأكاديمي والإبداعي.

**كنتَ طالباً في المعهد، فأية فائدة كانت لذلك عندما استلمتَ إدارته؟

**أعتز بأنني كنتُ طالباً من طلّاب المعهد ثم عملتُ في الهيئة التدريسية واستلمتُ رئاسة قسم التمثيل فيه ثم عمادته، وكوني بدأتُ فيه طالباً كانت الفائدة أنني خبرتُ متطلبات العملية الإبداعية، لذلك سعيتُ لتجاوز الكثير من الصعوبات التي كنتُ أعيشها كطالب من خلال تحقيق حالة المرونة في فهم متطلبات الطلبة في العملية التدريسية لأنني أدركإن استلامي إدارة المعهد يحمّلني مسؤولية باعتباري أعرف الكثير من المشاكل وأنا مطالَب بتجاوزها وتأمين الكثير من المتطلبات، مع السعي الدائم للتطوير والتجديد، وقد لا نصيب في كل خطواتنا، لكن نوايانا متجهة دائما لتطوير هذا المكان بمناهجه وآليات العمل فيه.

**ما هي أبرز التحديات التي تواجه عملك في المعهد اليوم؟ وما السبيل لتخطيها؟

**لا شك أن الظروف العامة الضاغطة التي نشعر بها جميعنا تنعكس على كل مفاصل الحياة وعلى المعهد كمؤسسة إبداعية وتعليمية بالدرجة الأولى، وأبرز التحديات التي تواجهنا اليوم غياب الخبرات وتناقص عدد الأساتذة الأكاديميين المتخصصين بسبب أعمارهم الكبيرة أو بسبب رحيل البعض أو سفر البعض الآخر، إلى جانب أن التعويض المادي الذي يُقدّم للمحاضرين ليس ضمن الطموح، وهنا أوجه التحية لكل العاملين في المعهد من مبدعين وأساتذة وزائرين وللهيئة التدريسية الذين يعملون فيه بدافع الشعف وحب المكان وللمهنة وأشدّ على أيديهم لأقول إن حبهم وشغفهم واحترامهم لهذه المهنة هو الذي يدفعهم لأن يكونوا معنا، ونحن نسعى ونعمل لأن نحقق التعويض اللائق لهذه الجهود الإبداعية التي يبذلونها، مع تأكيدي على أن وزيرة الثقافة د.لبانة مشوح متعاونة إلى أقصى الدرجات ومؤمنة بضرورة إيجاد حلول وتعديل اللوائح الداخلية للوصول إلى إصدار قانون أو حلول للتعويضات المادية تقديراً لجهود الأساتذة المبدعين الموجودين في المعهد.

**مشاريع التخرج ركن أساس من أركان المعهد كمؤسسة أكاديمية، فكيف يتم التعامل معها؟ ولماذا لاتقدم كعروض على خشبات مسارحنا؟

**مشاريع التخرج تصدّر المستوى الأكاديمي والإبداعي للمعهد كمؤسسة أكاديمية تعليمية تُقدّم للوسط الفني المسرحي بالدرجة الأولى والفني بشكل عام الخريجين في كافة الأقسام: تمثيل ورقص وسينوغرافيا وتقنيات ودراسات مسرحية، لذلك نحرص على اختيار المشروع الذي يناسب الدفعة في كل قسم مع اختيار أستاذ أو مشرف على أرضية كفاءاته، وثقتنا أنه من الأسماء الموثوقة التي تُقدّم الطلبة بشكل لائق ويؤمن بأن العرض هو فرصة ثمينة لتقديم طلبتنا بحيث يأخذ كل طالب فرصته ليُقدّم نفسه ضمن هذا المشروع، ونحن اليوم نستعد لتقديم مشروع تخرج قسم التمثيل بإشراف أ.فايز قزق صاحب التجربة الكبيرة في المعهد والذي خرّج الكثير من الدفعات، وأعتقد أننا سنشهد عرضاً مميزاً ونحن لا نُقدّم هذه المشاريع خارج المعهد لأنها مشاريع إبداعية طلّابية بالدرجة الأولى ويهمنا أن نقدمها ضمن جدران المعهد وعلى مسارحه وهي مسارح مهمة مثل المسرح الدائري وهو من المسارح النادرة في المنطقة العربية والذي يحمل اسم فواز الساجر ومسرح سعد الله ونوس الذي يشهد الكثير من العروض، وهذا يكرس الحالة الإبداعية للمعهد، ولأن توجّهنا أكاديمي لا نسعى لتقديم عروض جماهيرية بقدر ما نسعى لتقديم عروض تقدم طلبتَنا بشكل لائق إلى الجمهور، علماً أن عروض مشاريع التخرج تُقدّم على مدار عدة أيام لتتم مشاهدتها من أكبر عدد ممكن من الجمهور، ويفرحنا كثيراً أن جمهوراً كبيراً يحرص على متابعتها.

**إلامَ يحتاج المعهد اليوم للانتقال إلى مرحلةٍ أخرى؟

**يحتاج إلى إقامة ورشات عمل مع أسماء وخبرات متخصصة من خارج سورية، وأتمنى أن تسمح الظروف لفعل ذلك، وأنا متفائل بأن الأيام القادمة ستتيح فرص التواصل مع الكثير من المبدعين ودعوة المتخصصين والأكاديميين والخبراء لإقامة ورشات عمل ومشاركة طلابنا في المهرجانات واللقاءات المسرحية العربية، وقد بدأ يتحقق ذلك مؤخراً من خلال تواجد بعض طلابنا في أيام الشارقة المسرحية،كما يحتاج المعهد إلى تعديل بعض اللوائح الداخلية لجعله أكثر مرونة، كما نسعى لإحداث قسم جديد هو قسم الإخراج المسرحي، حيث بات من الضروري للمعهد بعد هذه الخبرة الأكاديمية أن يقدم على خطوة إحداث هذا القسم، وأنوّه كذلك إلى ضرورة تطوير مناهجنا ورفد الكوادر بخبرات وأسماء أكاديمية، وفي الوقت نفسه نحاول خلق فرص متنوعة للطلبة باختصاصاتهم المختلفة من خلال جعل مشاريع التخرج عروضاً مفتوحة يتعرف فيها أصحاب الشأن والمهنيين على الخريجين الجدد.

**ما الذي يميز طلاب المعهد في سورية ونسبة كبيرة منهم أصبحوا نجوماً؟

**خريج المعهد ممثل مبني أكاديمياً وثقافياً ومعرفياً، والدليل الحضور الطاغي للممثل السوري على الساحة العربية والمحلية، ويوضح أنهم فنانين يستندون لإرث إبداعي مهم يوفره المعهد، وبالتالي فإن نجومية أي فنان اليوم هي تأكيد على أن المكان الذي تخرج فيه مكان مهم، وأنا فخور بنجاح أي خريج لأنه يؤكد نجاحَ المعهد في إعداده وتأهيله.

**أي شعور ينتابك كعميد وكمسرحي عندما ترى أن معظم الخريجين يبتعدون عن المسرح بعد التخرج باتجاه الدراما التلفزيونية؟

**نحن مؤسسة إبداعية تختص بالمسرح، وبالتالي فإن مشروعنا هو أن نقدم للمسرح خريجين أكاديميين أوفياء له،وكل مشاريعنا تذهب باتجاه بناء الفنان مسرحياً، وهذا يجعل خريجينا مميزين لأن المسرح هو الأساس، ويؤلمني كثيراً اتجاه الخريجين نحو الدراما التلفزيونية، وأقول دائماً يجب أن يكون للمسرح حصة من اهتمام المتخرج مهما كانت المغريات وضغوط الحياة، وأن يبقى للمسرح مكان في قلب وذاكرة وشغف كل خريج، وأن يعود إليه بين الفينة والأخرى، وأتمنى عودة الخريجين للمسرح ليس من أجل تقديم تجاربهم بل من أجل تجديد أنفسهم واكتشاف ذواتهم وتطوير ملَكاتهم، لذلك يؤلمني غيابهم وهجرتهم لهذا المكان الجميل، وأتمنى أن يكون للوفاء مساحة أكبر عندهم لهذا الفن النبيل.

**قدمتَ كمخرج العديد من العروض المسرحية للمسرح القومي بدمشق، فأي عمل كان بالنسبة لك العلامة الفارقة في مسيرتك كمخرج؟

**كل العروض المسرحية التي قدمتُها لها مكانة في قلبي، فلكل تجربة خصوصيتها وطبيعتها وذكراها إلا أن “السمرمر” هو الأكثر طزاجة في الذاكرة، وهو عرض خاص بنجومه وأشكال الأداء، وقد حقق نجاحاً كبيراً على مدار ثلاثة مواسم، كما تم عرضه عام 2008 في احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية وهو عرض استند إلى نص جميل لناصر الشبلي، وكان ذروة المشروع الفرجوي مسرح الفرجة الذي اشتغلتُ عليه، وهنا أوجه التحية لكل النجوم الذين تعاملت معهم وقدّمت معهم أجمل العروض ولنافيها العديد من الذكريات لأن فن المسرح فن حميمي يقوم على المودة والألفة والحالة الجماعية.

**أنت غائب عن خشبة المسرح القومي كمخرج فإلى أي درجة تشغلك إدارة المعهد حالياً عن الإخراج؟

**عملياً لستُ غائباً عن المسرح على صعيد العمل الأكاديمي في المعهد وتقديم تجارب مسرحية بعيداً عن المسرح القومي حيث عملتُ في العديد من التجارب مع فرق جامعية فقدّمتُ “مسافر بلا وطن” على مسرح الحمراء عام 2017 وفي العام 2019 قدّمتُ “قرّب يطلع الضو” كما قدّمتُ مجموعة من الاحتفاليات داخل وخارج القطر وبعض ورشات العمل مع مسرحيين أكاديميين خارج سورية، والمسرح دائماً في القلب ولا أنكر أن العمل الإداري يحتاج للتفرغ، وهذا جزء من الوفاء للمهمة التي أوكلت بها وللمؤسسة التي لها حق عليّ.

**حرصتَ على إعادة ملتقى الإبداع الذي سبق وأن أطلقتَه في عمادتك الأولى للمعهد.

**ملتقى الإبداع ملتقى أكاديمي حواري، الغاية منه دعم العملية الإبداعية والتعليمية، وهو يأتي ضمن سياق المنهج الإبداعي لتقديمدروس معرفية تدعم وتغني تجربة الطلبة في الحياة المستقبلية، وبدأ المشروع عام 2014 حتى العام 2016 واستضفنا في موسمه الأول الكثير من الأسماء، لذلك نحن حريصون بعدما تحقق في الموسم الأول من نجاح أن يكون الموسم الحالي حافلاً بالأسماء ضمن نفس السياق والهدف والغاية ليستزيد الطلاب من تجارب تكون قدوة لهم في مشوارهم الفني حين تضع هذه القامات تجربتها على مشرحةالحوار بين طلبة وأساتذة المعهد،في الوقت الذي نطلعها من خلاله على تجاربنا ونقدّم لها صورة عن معهدنا، وكان الملتقى فرصة ليطرح الطلاب أسئلة عن هواجسهم وأفكارهم وقلقهم، وأرى كم يعني لهم أن يتعرفوا على هذه القامات ويسعدني كثيراً أن الكثير من الطلبة  أصبحوا يقولون أنهم مع ملتقى الإبداع بدأوا يشعرون بأهمية وجود المعهد ووجودهم فيه، وقد أصبحت أقوال الضيوف فيه شعاراً لهم، خاصة حين قالت الفنانة منى واصف: “الفشل ليس نهاية العالم، ولم يسكرني نجاح ولم أخف من فشل” وأيضاً حين قدم الفنان غسان مسعود دروساً في العمل الأكاديمي بإجابته على أسئلة الطلاب وحضّهم على العمل وتجاوز الصعاب وألا تكون الكبوات سبباً للإحباط، وكذلك تعلموا الكثير من تجربة الفنان تيم حسن وأولها الوفاء للمعهد الذي تخرج فيه فلم يتردد في  تلبية دعوته  رغم انشغالاته الكثيرة ووجوده في بيروت في الوقت الذي شهدنا فيه اعتذار بعض الفنانين عن القدوم إلى سورية عرفاناً بجميل المعهد عليه  الذي تخرج فيه وقد وضع تجربته على طاولة التشريح بكل انتكاساتها وانكساراتها فهو عمل ممثلاً ثانوياً ومدير منصة في سبيل الوصول إلى المعهد، ليدركوا أن الوصول للنجومية طموح مشروع لا يتحقق إلا بالعمل،لذلك نحن حريصون على استمرار الملتقى وكل ما يضيف معرفة جديدة لطلبة المعهد ويحقق له سمعة طيبة ويحسن أداء الطلاب، وهذا ما جعلنا نطلق فعالية أخرى هي “عروض في الذاكرة” لنكرّس أهمية المعهد وما كان يقدمه ولنعرّف بطلابه وأساتذته والاحتفاء بتجاربهم التي قدموها.