دراساتصحيفة البعث

قمة الصين والاتحاد الأوروبي أول نيسان.. هل من مخرجات؟

هناء شروف

تُعقد القمة بين الصين والاتحاد الأوروبي في الأول من نيسان المقبل، وباعتبارها آلية الحوار على أعلى مستوى بين الصين ومؤسّسات الاتحاد الأوروبي ستلعب القمة دوراً أساسياً في تحديد نغمة العلاقات بين الصين وأوروبا وإحداث آفاق التعاون. ستكون قمة هذا العام أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث تنعقد في منعطف حرج وهناك الكثير من الأشياء على المحك.

القمة هي أولاً وقبل كل شيء محاولة من كلا الجانبين لإعادة العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، وإعادة إطلاقها بعد الانتكاسات غير العادية العام الماضي، خاصةً وأن تبادل العقوبات والعقوبات المضادة بين الجانبين في أوائل عام 2021 لم يؤدِ إلى تجميد الاتفاقية الشاملة بشأن الاستثمار فحسب، بل أدى أيضاً إلى خلق إحساس مستمر بعدم الارتياح للعلاقات الثنائية.

بالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن الحاجة إلى إعادة التعامل مع الصين واضحة، لكنه كان يتحرك لتعديل إستراتيجيته الخاصة في السنوات الأخيرة، خاصةً وأنه يعتبر الصين منافساً منهجياً وشريكاً اقتصادياً متعاوناً في وثيقته لعام 2019، ولهذا عزّز أدوات التجارة والاستثمار من أجل الاستعداد بشكل أفضل ضد الصين. ومع ذلك هناك إدراك بين سكان أوروبا بضرورة الحفاظ على التوازن بين الأبعاد الثلاثة، وإلا فإن التنافس سيهيمن على العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، ما يؤدي إلى تضييق مجال التعاون وتسميم أجواء الحوار.

بالإضافة إلى ذلك تريد مؤسسات الاتحاد الأوروبي تصحيح نموذج غير مستدام أدركه الاتحاد الأوروبي في نهجه تجاه الصين، أي أن الاتحاد أصبح الآن متشدداً بشكل متزايد تجاه الصين، بينما تواصل الدول الأعضاء تعميق روابطها الاقتصادية معها.

وبالنسبة للصين، تبدو الجهود المبذولة لإعادة العلاقات مع أوروبا إلى المسار الصحيح جهوداً صادقة ومتسقة. وعلى الرغم من أن قيود كوفيد-19 تسبّبت بصعوبات هائلة للتبادلات الشعبية، فقد انخرط الجانب الصيني على عدة مستويات للتواصل مع أوروبا.

لذلك، ستكون هذه القمة بمثابة جهد آخر لوضع الطرفين على أساس أكثر استقراراً وإيجابية، خاصةً وأنه على خلفية تضاعف فيها الولايات المتحدة بقيادة الرئيس جو بايدن من سياسة الاحتواء الصينية السابقة، تقرّ الصين بالأهمية المتزايدة لأوروبا. ومع ذلك فإن الصين لديها توقعات واضحة لأوروبا، فهي تتوقع اتحاداً أوروبياً يتمتّع باستقلال ذاتي يحدّد مصالحه الخاصة بشكل مستقل، فضلاً عن اتحاد أوروبي موحد يحكم دون أن تخطفه سياسات الدول الأعضاء المضللة.

تضيفُ المأساة المستمرة في أوكرانيا المزيد من الإلحاح للقمة في هذه اللحظة الفاصلة بعد إدانة وفرض عقوبات قاسية غير مسبوقة على روسيا، حيث غيّرت ألمانيا بشكل كبير موقفها الدفاعي بعد الحرب، ووعدت العديد من الدول الأوروبية جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

من العدل أن نقول إن الصراع الأوكراني أصبح الموضوع المهيمن على أوروبا، وسيكون موضوعاً مهماً في قمة الصين والاتحاد الأوروبي، حيث سيعمل الجانبان على إدارة خلافاتهما. لكن في إشارة أكثر إثارة للقلق، تقوم أوروبا بنسخ كتاب القواعد الأمريكية من خلال الادّعاء بأن الصين تفكر في تقديم مساعدة عسكرية لروسيا، وهو تكتيك استخدمه الأمريكيون قبل مؤتمر الفيديو الذي عقده الرئيس شي جين بينغ مع بايدن في 18 آذار الجاري، ورفضت فيه الصين هذا الادعاء بشكل قاطع باعتباره معلومات مضللة. من هنا تحتاج الصين إلى استخدام هذه القمة للتعبير عن موقفها من الصراع في أوكرانيا، لأن للصين مصلحة في السلام والاستقرار في القارة، حيث ستهدّد الصراعات بشكل كبير سلاسل التوريد العالمية والتعافي الاقتصادي في الأوقات الصعبة.

مع وضع الأمن والاستقرار في القارة على المدى الطويل في الاعتبار، لا تؤيد الصين استخدام العقوبات أو المساعدات العسكرية كأدوات لاستعادة السلام. وبدلاً من ذلك فإن هذا يخاطر بإطالة أمد الصراع وخلق عداء طويل الأمد. كما تعتقد الصين أن الحلّ طويل الأمد يكمن في الحوار بين جميع الأطراف -بما في ذلك روسيا مع الناتو/ الولايات المتحدة- لحلّ المعضلة الأمنية ووضع “آلية أمنية أوروبية متوازنة وفعالة ومستدامة”.

الصين ليست وحدها في هذا النهج، لأنه في الواقع يرفض عدد كبير من الدول حول العالم نهج الولايات المتحدة وحلفائها المقربين القائل “إن لم تكن معي فأنت متواطئ”. ودول العالم لديها تصورات مختلفة ويحق لها إبداء آرائها الخاصة، والأهم من ذلك التمتع باستقلالية السياسة دون خوف من التعرض للابتزاز أو الترهيب.

باختصار.. القمة القادمة مهمة حقاً للعلاقات بين الصين وأوروبا والعالم، ويجب أن تهدف إلى إدارة تداعيات الصراع في أوكرانيا على العلاقات الصينية الأوروبية، ومنع الأزمة من الإضرار بالعلاقات الصينية الأوروبية. ويحتاج الجانبان إلى إظهار التفاهم تجاه موقف بعضهما البعض، وبدء جهود تعاونية حقيقية في مجالات مثل الجهود الإنسانية واستقرار سلسلة التوريد، وهما أمران مطلوبان حقاً في هذه اللحظة. بالإضافة إلى ذلك يجب عليهم وضع العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي على أساس أكثر استقراراً، مع إجراء حوار حول سد التناقض بين وصف الاتحاد الأوروبي للصين بأنها منافسة منهجية، واستمرار وصف الصين من قبل الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي، والأهم من ذلك يجب على الصين وأوروبا معارضة أي نوع من الحرب الباردة الجديدة بحزم.