مجلة البعث الأسبوعية

احتراف الحكام ضرورة ملحة وقضية الأجور تحتاج سرعة التعديل

البعث الأسبوعية – عماد درويش

يبدو أن نظام الاحتراف الذي تم تطبيقه في رياضتنا خاصة على كرتي القدم والسلة لم يعرف سوى اسمه دون أن تطبيقه على أرض الواقع، وخسرت بالتالي اللعبتين متعة الهواية ودخلنا في دهاليز الاحتراف المظلمة، لأننا لم نطبقه بشكله الصحيح رغم أن البعض استفاد منه كأفراد أما كمنتخبات وأندية فبقينا مكانك راوح وفي أحيان أخرى عدنا للوراء فلم نحقق في عهد الاحتراف ما نلناه في زمن الهواية التي بتنا نتحسر عليها ولكن الماضي لا يعود أبداً.

في الوقت الذي يتداول فيه عشاق الرياضة السورية بكثرة رواتب اللاعبين وعقودهم، لكن نادراً ما يتم تداول رواتب الحكام، على الرغم من أن منظومة التحكيم هي الأكثر تعرضاً للنقد، إذ يتلقى الحكام الكثير من الانتقادات من قبل الجماهير بسبب قراراتهم التحكيمية التي تثير الجدل دوماً، والحكم هو الشخص الوحيد تقريباً الذي يقيم عمله أمام مرأى ومسمع الملايين، وتراجع قراراته أكثر من مرة ولعدة أيام متتالية في حال كان أحدها مثيرًا للجدل.

وإذا كان اللاعبون والمدربون هم أكثر المستفيدين من الاحتراف، فإن الحكام هم الحلقة الأضعف دائماً في كل شيء وما يقبضونه من جراء قيادة المباريات بالكاد يكفيهم ثمن الطعام وأجور التنقل وهم ما زالوا ينتظرون الوعود بتحسين أجورهم ورفع أجرة ما يسمى بإذن السفر، الذي ما زال يحسب على الكيلومتر المتعارف عليه من سنين طويلة حسب بعد المسافة بين المحافظات وفق تعرفة أو بيانات شرطة المرور، ويبدو أن انتظارهم سيطول لأن الوعود هي حبر على ورق .

مبالغ زهيدة

وإذا علمنا أن إذن السفر بين اللاذقية ودمشق قيمته لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة فقط بعد حساب المسافة وتعويضات أخرى فإن هذا الرقم لا يكفي أجور طريق للذهاب فقط في “البولمان”، أما في التكسي أو “الفان” فحدث ولا حرج، وهذا الرقم يُضاف إلى 40 ألف ليرة هي أجور التحكيم للحكم الدولي في مباريات الدرجة الممتازة لكرة القدم ، أما في الأولى فهي 30 ألف ليرة وتصبح أقل عند تحكيم مباريات الدرجة الثانية، أما حكام كرة السلة وبعد التعديل الجديد فيتقاضى الدولي 70 ألف والدرجة الأدنى 60 ألف.. إلخ  نظير كل لقاء بجانب بدل السفر إلى مكان إقامة المباراة وهي مبالغ زهيدة نسبة لبقية الدول القريبة على أقل تقدير.

وإذا أردنا الحديث عن رياضات أخرى مثل كرة اليد أو الطائرة أو الطاولة أو الألعاب الفردية أو الألعاب القتالية أو التي تتطلب جهداً بدنياً كلعبة بناء الأجسام أو المصارعة الملاكمة، فإنه يضاف إلى هذا الرقم مبلغ 1500 ليرة عن اليوم الأول في البطولة التي يشارك بها تزداد مع عدد أيام المشاركة وهذا لا يكفي ثمن سندويشة والبطل الرياضي يحتاج لغذاء خاص مكلف.

الأمر الآخر عدم صرف اللجان التنفيذية ببعض المحافظات (مثل دمشق) لأذن السفر لحكام العاصمة بحجج واهية لا تدخل بميزان حيث اشتكى كافة حكام دمشق (خاصة كرة القدم) من الظلم الذي لحق بهم من قبل رئيس اللجنة التنفيذية الذي لم يوافق على صرف أذونات السفر منذ ما يقارب ثلاث سنوات (وكل حكم خسر ما يقارب 5 ملايين ليرة من جراء عدم الصرف) ، في حين صرفت كافة اللجان التنفيذية بالمحافظات التعويضات لحكامها.

مقارنة غير عادلة

وبمقارنة بسيطة بين أجور التحكيم في عندنا وبين أي بلد مجاور نجد الفروقات كبيرة، حيث يقبض الحكم هناك أضعاف ما يقبضه الحكم السوري، ويتضاعف هذا الرقم ليصبح بالعملة الصعبة عند قيادة المباريات الدولية أو مباريات الأندية في البطولات القارية أو العالمية، فالحكم في الدوري الأردني مثلاً يتقاضى مبلغ 150 دولار، وفي لبنان 140 دولار، وفي العراق 250 دولار، أما في دول الخليج فالمبلغ يتراوح بين 300 إلى 400 دولار، ولذلك لا عتب على أي حكم من أي محافظة بعيدة إن اعتذر عن قيادة مباراة في دمشق أو السويداء أو حلب، أو حكم من هذه المحافظات إن غاب عن تحكيم مباراة في اللاذقية أو طرطوس لأن ما سيتقاضاه مع إذن السفر لن يتجاوز 90 ألف ليرة (حسب المسافة بين المحافظات) إذا كانت المباراة في الدوري الممتاز، أو 50 ألف إن كانت في الدرجة الأولى.

وبعد كل ذلك نتحدث ونقول إننا طبقنا نظام الاحتراف بحذافيره وأننا محترفون ويجب علينا أن نخطو إلى العالمية أو القارية على أبعد تقدير مع أننا بالكاد أصبحنا نتجاوز دول كنا نعتبر مبارياتنا معها نزهة أيام الهواية.

ظلم للمراقبين

الأمر هذا لا يقتصر على الحكام وإنما ينطبق على المراقبين الإداريين ومقيّمي الحكام الذين يقطعون أيضاً مئات الكيلومترات ليقوموا بعملهم وينالون نفس ما يناله الحكام، وإن كانت مسؤولية الحكام هي الكبيرة كونهم يتعرضون لشتى أنواع الصعاب وقد يصل الأمر لتعرضهم للضرب كما حدث مؤخراً مع الحكم الدولي بكرة القدم حنا حطاب، أحد أفضل حكام النخبة في آسيا، الذي تعرض للضرب من قبل أحد كوادر نادي العربي أثناء قيادته لمباراة العربي والمجد في السويداء اضطر بعدها لإيقاف المباراة، كذلك الأمر بالنسبة لحكام السلة الذين يتعرضوا لأبشع عبارات الشتم والسب ورغم ذلك ما يزالون يمارسون اللعبة التي أحبوها.

الكثير من قضاة الملاعب اشتكوا أكثر من مرة من هذا الموضوع، وفي إحدى المرات وصل الأمر للتهديد بعدم قيادة المباريات وكان ذلك في الموسم قبل الماضي (عندما تقدم أكثر من 40 حكما اعتذارهم عن قيادة مباريات دوري كرة القدم) وتم احتواء الأمر مع وعود بزيادة الأجور وتم ذلك فعلاً ولكن بنسبة ضئيلة جداً.

بحاجة رعاية

الحكم الدولي بكرة القدم وديع الحسن أكد لـ” البعث الأسبوعية ” أن التعويضات التي يتقاضونها قليلة جداً وبالكاد تكفي أجور التنقل والطعام، وقد يضطر الحكم أو المراقب لقضاء يومين وربما أكثر في حال تكليفه بمباراة ما، ويحتاج الحكم أو المراقب أو مقيم الحكام من محافظة بعيدة (كالحسكة أو دير الزور) عند تكليفهم بهذه المهمة في دمشق لثلاثة أيام، إذ يقضون يوماً في رحلة الذهاب بين المدينتين وآخر في العودة ويوم لتنفيذ المهمة، ونطالب بزيادة التعويضات لتكون قريبة إلى حد ما من تعويضات نظرائهم في الدول المجاورة.

من جهته الحكم الدولي بكرة السلة حسان تللو كشف أنه بعد التعديل الأخير من قبل القيادة الرياضية واتحاد اللعبة أصبحت نسبيا مقبولة نسبة لما مضى حيث كنا العمل مجاناً، ونحن كحكام نأمل أن يكون التعويض أكبر في ظل الظروف والكثير من الحكام يجدون صعوبة في السفر سواء “بالبولمان” أم بسياراتهم الخاصة حيث لا يكفي ثمن “البنزين” أجرة تحكيم مباراة واحدة، ويجب أن يكون هناك “سبونسر” للحكام خاصة للألبسة والتجهيزات وهي مشكلة تؤرق مضاجع حكام سورية عامة وبكافة الألعاب، لكن رغم ذلك تبقى الأجور قليلة نسبة لبقية الدول العربية.

أما حكم السلة صلاح دنان فاعتبر أن الأجور الحالية باتت جيدة لكن ضمن المحافظة الواحدة، في حين تبقى قليلة بالنسبة للمباريات التي تكون خارج محافظة أي حكم ، وبصراحة إذا أراد الحكم الذهاب من دمشق لحلب ذهاب وإياب تكلفني مبلغ 40 ألف ليرة ، أي أن الزيادة حتى الآن لا تجعل الحكم يعيش “بحبوحة” من وراء التحكيم، وعليه لا يمكن توسيع القاعدة التحكيمية إذا لم يتم اعتماد الاحتراف على التحكيم، مقارنة بالدول العربية المجاورة فنحنا بعيدين  كتير عن هذا الموضوع.