الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الحياة الجميلة..!

حسن حميد

ها قد انتهيت من حواري الصّاخب مع أديب فرنسي، ليس مشهوراً، وليس في سيرته الذاتية سوى ذكر لكتاب قصصي واحد، قال لي إن موضوعه الأساسي يدور حول أحلام النساء المسنات اللواتي تزوجن ولم ينجبن، والنساء اللواتي لم يتزوجن رسمياً أيضاً.

حواري معه، واسمه فرانسوا جلو، دار حول الثقافة المشرقية، والاستشراق، ونظرة الغرب إلى الشرق، وانتهى بالسياسة، والحق كان الحوار متخندقاً عند قناعات كلّ منا، ولم يفضِ إلى ما نسميه (خلاصات المثاقفة)، أيّ موجبات التقارب التي تسعى إليها الثقافة.

قلتُ له: ليس من المنطق أن يلد المرء، في بقعة جغرافية في الدنيا، ويعيش ويقرأ، ويتثقف، من أجل أن يكره الغرب! هذا أمر بعيد عن الثقافة، وبعيد عن الأخلاقيات طراً، فالغرب هو الكتب، والفنون، هو موباسان، وغوته، وبيكاسو، وبوكاشيو، وبيتهوفن، والغرب هو السينما، والمسرح، والأوبرا، والرقص، والمتاحف، واللوحات التشكيلية، والغرب هو الثورة الفرنسية.. إلخ. وما من عاقل في الدنيا يعرف الجمال والإبداع، والحق والخير والثراء المعرفي، يكره الغرب!

قال: إذاً لماذا هذه النبرة العدائية التي تتعالى ضد الغرب ما دمت تقول ما تقوله!

قلت: هذه النبرة العدائية أنتم من أوجدها  حتى أصبحت ثقافة تؤمن بها شعوب كثيرة، تكاد تكون شعوب المعمورة الأرضية كلّها، عدا البلدان الغربية! لقد نحّت ثقافة الهيمنة، واحتلال بلدان العالم، كلّ هذه الثقافات والمعارف والآداب والفنون من طريقها، كي تظلّ ثقافة الهيمنة والإيمان المطلق بتفوق الرجل الأبيض على جميع أبناء الدنيا كلّها.. هي البادية. لقد حدث هذا في أثناء استعمار إسبانيا للعديد من بلدان أمريكا الجنوبية، وحدث مثله حين احتلت فرنسا وبريطانيا وايطاليا بلداناً عدة في آسيا وإفريقيا.

قال: ولكن العدائية لنا نواجهها وعلى نحو قاس، على الرغم من انتهاء الاستعمار،

قلت: نعم هذا صحيح، لأن آثار الاستعمار دمرت كلّ شيء، وخرّبت كلّ شيء، ليس القرى والمدن فحسب، وإنما دمرت النفوس ورسّبت الكراهية للاستعمار الغربي كثقافة عرفتها أجيال الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد. ولكن هذا ليس كلّ شيء، باعتباره ماضياً وانتهى،ولابدّ من نسيانه!

قال: إذاً، هناك جديد!

قلت: نعم، فالغرب في خطابه المتنوع، والموزع من السياسة إلى الاجتماع، إلى الثقافة، إلى الاقتصاد، مازال يهدد ويتوعد، ومازال يلوح بالعصا والجزرة، ومازال يؤمن بثقافة الهيمنة من جهة، مثلما يؤمن أن شعوب العالم الأخرى عاجزة ثقافياً وسياسياً، واقتصادياً وأخلاقياً من جهة أخرى، ناسياً أنه هو عي، أنه هو من كان وراء هذا العجز والضمور، لأنه أوقف نمو وتطور وتقدم هذه الشعوب مئات السنوات، ومازال يقف أمام إرادات هذه الشعوب المتطلعة إلى التقدم والتطور والمشاركة في بناء حضارة إنسانية واحدة تعني الجميع.

قال: نحن أسياد العالم، ولسنا بحاجة لأحد. قلت: أنت تتكلم، يا سيد جلو، من وراء مفهوم القوة، أنتم بحاجة إلى كلّ شعوب الأرض. قال متعجباً: ولماذا؟!

قلت: لكي تؤمنوا بأن للشعوب حقوقاً أولاً، وأن المساواة والعدالة والخير والجمال والإبداع خاصية البشر جميعاً ثانياً، وأن العالم يُبنى ويتطور، وأن العمران يزدهر بالمحبة، وليس بالقوة والغطرسة وإماتة الآخر وشلّ قدراته، وحجب الضوء عنه!

قال: هذا ليس عدلاً أن نكون وإياكم على قدم المساواة.

قلت: أنت من جيل جديد، لكنك للأسف تؤمن بثقافة الهيمنة وما تنادي به من سيادة على الآخرين.

قال: ما الحل؟ كي تتقارب وجهات النظر؟

قلت: بالثقافة، والقناعة بأن الحياة الجميلة حق للجميع!!

Hasanhamid55@yahoo.com