الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

البرْد وأمريكا

عبد الكريم النّاعم

دخل صديقي الذي صرتم تعرفونه، وكالعادة مَطَّ رقبته الطويلة، ودون استئذان، وقرأ على ورقة أمامي “البرْد وأمريكا”، ونظر إليّ بشيء من الاستغراب وقال: “ما علاقة أمريكا بالبرْد، أنت تُحيّرني، ثمّ إنّنا صرنا في شهر نيسان، فلا برْد ولا ما يحزنون”؟!.

قلت: “قالوا قديماً، من خلال التجربة “الأسى ما بينتسى”، وقد مررنا بزمهرير نسّانا أسماءنا، كما قالوا: “البرْد سبب كلّ علّة”، وفي هذا القول الكثير من الصحّة، وكما أنّ البرد سبب كلّ علّة، فإني مع الذين يرون أن أمريكا سبب كلّ علّة فوق ظهر هذا الكوكب، هي وقبيلها، منذ أن ظهرتْ وحتى يأتي زمن يغيب فيه جبروتها..”.

قاطعني: “قد يحتاج هذا الكلام لشرح”.

قلت: “وسأشرح، البرْد الذي عانينا منها زمهريراً فاتكاً، أمريكا ضالعة فيه، فهي تمنع وصول وسائل التدفئة التي تأتينا من الخارج، من الوصول بشكل سلس، وفي الوقت ذاته تضع يدها بواسطة أكراد قسد على نفطنا وغازنا في الشمال، وهو ما عرفنا مدى كفايته لحاجاتنا.

تعال لنراجع بعض صفحات التاريخ، فقد كان الآباء الأمريكيون أوّل من استعمل الجراثيم الفتّاكة ضد الهنود الحمر أهل البلاد الأصليين، فأبادوا بالجراثيم ما لم يبيدوه بالنّار، وها هي الأمور تتكشّف أنّهم أقاموا معامل إنتاج جراثيم بيولوجيّة قاتلة، أضافوا إليها بخبث مرعب أنّها تقتل شعباً معيّناً دون آخر، وفي هذا مقدّمة لما يمكن أن تفعله إسرائيل مع العرب حولها.

أمريكا أوّل مَن ألقى قنبلة ذريّة على اليابانيين، بعد أن أعلنوا استسلامهم، وتُعتبر تلك القنبلة بدائية بالمقارنة مع ما وصل إليه تطوير هذا السلاح القذر.

أنا لا أتجنّى على أمريكا، فصفحات التاريخ القريب بين أيدينا، أنظر ما فعلتْه في أفغانستان، وقبله في فيتنام حيث اتّبعت سياسة الأرض المحروقة مع الفيتناميّين.

قلّب الصفحات الأقرب زمنيّاً في العراق، وفي اليمن، وفي سورية، وقبلها في فلسطين فماذا ترى غير الدمار؟!!

هؤلاء لا يقبلون الآخر مهما كان وزنه الحضاري، والتاريخي، والجغرافي إلاّ إذا ذهب منصاعاً لأحد بوابات أمريكا للدخول منها إلى رُدْهة الاستسلام..”.

قاطعني: “أهي قدَر”؟!!.

قلت: “هي قدَر بمثل ما كان وجود القوى المدمِّرة قدراً، كالمغول الذين دمّروا الحضارة، وكالعثمانيّين الذين، باسم الدين احتلّوا بلادنا العربيّة مدّة أربعمائة سنة، جمّدوا فيها العقول، وصادروا كل بارقة للخروج من ذلك الظلام، وكانوا سبباً في تراجعنا، ونهب خيراتنا، وإبقائنا في ظُلمة دامسة، وثمّة أكثر من مثال في التاريخ يمكن الاستشهاد به، وكما تراجعت تلك الامبراطوريات الشريرة في التاريخ، ولم يبق منها إلاّ الذّكر السيئ، فإنّ قانون التدافع في الحياة يقول لا بدّ لهذه الامبراطوريّة الأكثر شيطنة واستغلالاً من غروب قادم..”.

قاطعني: “هل ترى ذلك قريباً”؟.

قلت: “لا يعلم الغيب إلاّ الله، وإنّما ثمّة بوادر في العالم تشير إلى بداية الانحدار، ولعلّ تلمّس بدايات تشكّل عالم متعدّد الأقطاب يبشّر بشيء من ذلك..”.

قاطعني: “ألا ترى أنّك قد حمّلتَ أمريكا ومَن معها مسؤوليّة كل شرّ في هذا العالم، وبذلك غيّبت حيتان الداخل”؟.

قلت: “لم أغيّبهم إلاّ بمقدار ما اقتضى السياق، وهم في الحقيقة لا يقلّون خطراً عن الغزاة والنهّابين الخارجيين، لا بل هم أشدّ فتْكاً لأنّهم يقيمون في خلايا جلودنا، وهم في الشراسة، وفي التخلّي عن القيم الأخلاقيّة العالية،.. وبحكم أنّهم من أهل الداخل، فإنّ شيطنتهم تفوق أيّة شيطنة أخرى، والخلاص من هؤلاء غير مرتبط  بالشرّ الأمريكي، بل هو قادر على الاستمرار، لذا لا بدّ من حماية الداخل منهم، والتخلّص من شرورهم”.

aaalnaem@gmail.com