مجلة البعث الأسبوعية

“حصن سليمان الأثري ”   الشاهد على عظمة شعب  وقدرته على الإبداع

طرطوس-لؤي تفاحة

حصن سليمان القابع على تلة  مزنرة بطبيعة جبلية خلابة حيث تسكوها الغابات الخضراء من كل صوب هو أحد المواقع الاثرية الكثيرة والغنية التي تمتاز بها منطقتنا الساحلية حيث توقف الزمن عند عظمة شعب حي صاحب أروع حضارة قدمت للبشرية الكثير  والكثيرفماذا زالت صخوره التي تزن مئات الاطنان لغزا حيّر الكثير من المكتشفين الاثرين والباحثين المهتمين عن قدرة سكان هذه المنطقة لنقل ورفع مثل هذه الكميات الكبيرة  من الصخور و”تعشقيها ” ببعضها البعض  وتحويلها من جسور وأوتاد  وأعمدة  مشكلة حصنا منيعا متحدية كل الظروف الجوية وما تعرضت له المنطقة من كوارث طبيعية وما شهدته من إحتلالات رحلت جميعها وبقيت هذه الشواهد لتحكي قصة هذا الشعب الابي العصي على الانكسار رغم كل ما تعرض ليبرهن بإن صاحب حضارة تستحق الحياة..

موقع حصن سليمان

تقع أطلال حصن سليمان في واد جبلي مرتفع من وديان الجبال الساحلية في احضان طبيعة خلابة يتبع إداريا ناحية سبة منطقة صافيتا ويبعد عن مدينة طرطوس حوالي \50\ كيلو مترا وعن صافيتا \20\ كم باتجاه شمال شرق وعن منطقة الدريكيش \15\ كم ويرتفع 750\ م عن سطح البحر.

 

لمحة تاريخية كان يسمى الحصن في العصور القديمة \بيت أخيخي| وفق نصوص الكتابات اليونانية المكتشفة في الحرم الكبير للمعبد وتعني كلمة بيت في السياق الديني بيت الارباب للمعبد وجذوره السريانية بدلالة الاسم وهم ببنائه الحالي يعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلادي ويستدل من النقوش والكتابات اليونانية واللاتينيةعلى أنه معبد للرب زيوس وهذه الكتابات هي رسائل من القيصر الروسي إلى حاكم الولاية تتعلق باحترام الامتيازات التي منحها الملوك السلوقيون وبصرف الايرادات للمعبد والاعفاءات الضريبية لسكان الموقع أما التسمية الحالية \حصن سليمان\ فهي باعتقادنا تعود إلى صدر الاسلام وقد تكون التسمية نسبة إلى سلمان بن ربيعة الذي كان في جيش أبي عبيدة حيث عسكر عند هذا الحصن أثناء غزوه بلاد الروم أو نسبة إلى سلمان بن أبي الفرات بن سلمان على نحوما ورد في السفر الثالث من معجم البلدان لياقوت الحموي وقد سجل أثريا بالقرار رقم \8\أ\تاريخ 14\1\ 1958 م.

 

الوصف المعماري للمعبد:

 

بحسب سعد علي رئيس قسم التنقيب في دائرة أثار طرطوس فإن  للحصن مجموعة من المعالم الاثرية وهي حرم المعبد الكبير والذي  يأخذ شكلا مستطيلا باتجاه شمال جنوب وبأبعاد \134×85 م وينتصب هيكل المعبد في أعلى نقطة وسط الحرم.وتوجد أساسات وأثار على جانب جهته الشرقية كان يقوم عليها في السابق مذبح كبير  وتتكون جميع الابنية من حجر كلسي ذي لون رمادي أبيض مأخوذ من الصخور الارضية البارزة من المواقع وجدارنه مبنية بأحجار مستطيلة ضخمة قد يصل طول الحجرة إلى عشرة أمتار  وارتفاعها إلى 2.60 م ويوجد في كل جانب من جوانب السور بوابة يتم العبور من خلالها إلى حرم المعبد والبوابات الاربع غير مرئية بشكل محوري كامل لا بإتجاه الهيكل وتختلف من حيث الحجم ومن حيث التصميم لبوابتي الجهة الشرقية والغربية الحجم نفسه تقريبا بينما يتم تفوق البوابة الشمالية بأبعادها البوابات الاخرى.

 

معبد زيوس:يتألف من قاعة العبادة وقاعة الدخول والدرج الخارجي ويقع وسط الحصن ويصل المرء إليه بدرج مؤلف من \39\ درجة ومسبطتين فوق إحداهما مذبح للنار ومدخله من الضلع الشمالي مقابل البوابة الشمالية للسور وتبلغ مساحة قاعدته \50× 14\ م لقاعة العبادة ستة أعمدة على الضلعين الطويلين وأربعة على الضلع الخلفي كانت تحمل تيجانا أيونية إلا إن تأثير الزلازل كان كبيرا مما أدى إلى تهديمها وما تبقى من حجارتها مزاح من مكانه.

 

الاعمال التي تمت في المعبد: جرت أعمال تنقيب في المعبد عامي 1990و1991 من قبل المديرية العامة للاثار والمتاحف كشفت عن أدراج جانبية للدرج المتوسط للمعبد كما عثرت على ثلاث ليرات ذهبية وأساور فضية وقرط ذهبي وهي تعود إلى العهد الاسلامي وقد جرت عملية سبر ودراسة علمية سابقة له على يد العالمين\ كرينكروتشتمثان \ اللذين نشرا نتائج دراستهما عام 1948 كما أجرت دائرة أثار طرطوس  موسم تنقيب عام 1998 عثرت فيه قطع نقدية برونزية كما تم العثور على قطعة نقدية أروادية مما يؤكد على وحدة الترابط بين أرواد وموقع الحصن كما تم إنشاءعدة أسبار إختبارية تمهيدا لدراسات هندسية بغية القيام بأعمال الترميم للمعبد وفي عامي 2003 و2004 تم الكشف خلالها عن أرضيات مرصوفة كما تم العثور على قنوات لتصريف المياه وخزان ومجموعة هامة من اللقى الاثرية من سرج فخارية ومباخر ونقود برونزية وكذلك تم إجراء بعض أعمال الترميم في المعبد حيث تم إعادة تركيب لبعض حجارة السور الخارجي عام 2009 مع أعمال التوثيق اللازمة .

 

أهمية المعبد: يعبر معبد حصن سليمان من أهم معابد الفترة الرومية في محافظة طرطوس ويتميز عن معابد الفترة نفسها الاخرى في سورية بأنه بني في منطقة جبلية على أنقاض معبد سرياني واتسم بالضخامة مع المحافظة على عناصر ومكونات المعابد وتميز بنواحي   الفنية النحتية الفريدة من توعها لذا سجل بالقرار المذكور أعلاه على لائحة التراث الوطني.

 

تحضيرا للموسم السياحي المقبل: بحسب المهندس مروان حسن  مدير دائرة أثار طرطوس فإن لا وجود لأي خطة لإعادة ترميم أو تأهيل أو صيانة الحصن  من قبل مؤسسات محلية أو غيرها وإنما توجد خطة لتنظيف وتعشيب الموقع قبل بداية الموسم السياحي في حال توفر الاعتماد علما بأنه سبق وتم تنظيفه في مواسم سابقة  ,  كما أنه لا يوجد أي تعاون مع الوحدات الادارية وليست هناك في الوقت الحالي أي مشاريع أو أعمال بخصوص الموقع أو طريق الوصول للموقع علما بإن الطريق الحالي جيد ويلبي المطلوب ولكن هناك فكرة سبق وتمت مناقشتها ودراستها وهي تحويل الطريق الفاصل بين المعبدين\ الكبير والصغير\ إلى خارج الموقع بالاضافة لوضع بعص الخدمات الاساسية بجوار الموقع إلا انه وبسبب الاحداث التي تمر بها سورية لم تستكمل هذه المقترحات والدراسات .

 

كلمة لا بد منها  لا يمكن  للمتابع وكذلك الزائر إلا أن يحبس أنفاسه  لبضع  الوقت أمام عظمة هذا الانجاز الفريد  وبراعة الفن المعماري الذي يفوق أي وصف أو تفوق هندسي حديث وهو ينظر لقدرة سكان هذه المنطقة وجبروتهم في نقل الحجارة الضخمة وتركيبها بشكل لم يقبل الخطأ بدليل صموده أمام غزوات وكوراث طبيعية ليومنا هذا  لذا فإن المطلوب تضافر الجهود  وتكاملها بغية المحافظة على هذا الارث الحضاري  وكذلك القيام بكل ما شأنه التعريف به ووضع الخطط الكفيلة  بتأمين التنية التحتية المناسبة من طرق وغيرها وكذلك الاهتمام بمشاريع تنموية وسياحية لجذب السياح وهذا لن يتأتى إلا من خلال تشاركية مجتمعية ومؤسسسية بهدف الوصول إلى منتج سياحي وأثري وليس الاكتفاء بالوقوف على أطلال دارسة أو أوابد صماء لا تنطق بلغة الماضي وعبقه..