تحقيقاتصحيفة البعث

الأشغال الشاقة لا تردع المتحرشين بالأطفال.. العقوبات الأشد ضرورة نفسية وأخلاقية ومجتمعية!

ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال من الجرائم الشائعة في المجتمعات عموما، ومجتمعاتنا ليست بمنأى عنها، ولعل الجريمة التي حدثت منذ أيام  في إحدى بلدات ريف دمشق مثال مؤلم على ذلك، حيث عثر على جثة الطفلة (رغد. خ) مرمية بين شجر الزيتون بعد تعرّضها للاعتداء من قبل وحش بشري أثناء ذهابها لشراء “البسكويت والشيبس” من إحدى بقاليات البلدة، وذلك بحسب ما أظهرته التحقيقات مع المجرم. وهذه الحادثة المؤلمة وغيرها من الحوادث التي لم يُكشف النقاب عنها خجلاً من الفضيحة تضع المؤسسات المعنية، وخاصة القضائية منها، أمام مسؤوليات كبيرة من أجل حماية الطفولة من “الوحوش البشرية” التي لم تعد تردعها عقوبة الأشغال الشاقة، بل نحتاج لعقوبات أشد لتكون رادعاً لها.

مدى الحياة!

ووفق الدكتور غسان منصور من كلية التربية – جامعة دمشق، فإن حماية الأطفال من التحرش لم تأخذ مجراها كما يجب، فالصدمة التي تحصل مع  الطفل بعد الجريمة تتشكل في بنيته المعرفية التي لا يمكن نسيانها أبدا، هذا إذا لم تتحول إلى شذوذ جنسي واضطراب في الهوية الجنسية نتيجة هذا العمل، مشيراً إلى أن الآثار من التحطيم الذي حصل لنفسية الطفل قد تبقى مدى الحياة، حيث يبقى الطفل خائفا قلقا متوقعا للهجوم الجديد ما يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي ومشكلات كثيرة جدا على مستوى الأهل ومستوى الوصمة النفسية لهذا الطفل الذي يتمنى أن يمحوها لكنه لا يستطيع.

التكيّف من جديد 

وبيّن الدكتور منصور أن هناك الكثير من الأهالي يستسلمون للواقع، مقابل وجود قلة يساعدون الطفل على تجاوز أزمته سواء بالعلاج النفسي غير الدوائي (التكيف من جديد) مع إتباع أساليب وآليات أخرى من الأهل كعدم تذكير الطفل  بهذا الموضوع، إلا في حالة سؤاله واستفساره، إذ يوجد البعض من الأهالي ممن  يكرهون الطفل أو الطفلة بعد الجريمة ويتعاملون معه بقسوة فوق عذاباته.

جرم جنائي

وفي نظرة لقانون العقوبات السوري نجد أنه عالج موضوع الاغتصاب والتحرش في باب الجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العامة، من خلال فرض عدة عقوبات، منها الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن 21 عاماً، وفق ما ذكره لـ “البعث” المحامي أكرم المحمود، موضحاً أن القانون يعاقب من جامع قاصراً لم يتم الخامسة عشر من عمره بالأشغال الشاقة تسع سنوات، ولا تنقص العقوبة عن الـ 15 عاماً إذا لم يتم الطفل الثانية عشر من عمره، كما عاقب من ارتكب فعلا منافيا للحشمة بقاصر بالأشغال الشاقة لمدة تسع سنوات ولا تنقص عن اثني عشر سنة إذا لم يتم الطفل الثانية عشر من عمره، وعاقب المتحرش بقاصر لم يتم الخامسة عشر من عمره بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف.

وأوضح المحمود بأنه لا توجد إحصائيات دقيقة لهذا الجرم نتيجة تخوّف الأهل من الإساءة إلى سمعة أطفالهم وسكوتهم أحيانا عن فعل التحرش حفاظا على سمعة أولادهم، والإحصائية المتوفرة سابقاً في المحاكم السورية تفيد أن محافظة حلب فيها أعلى نسبة تحرش وكان ذالك في عام 2018 يليها دمشق وريفها.

ليست كافية

وذكر المحمود أن القانون لم يخصص لجرم التحرش بالأطفال مادة محددة، إلا أنه اعتبره جرماً جنائي الوصف، كما جرّم المشرّع السوري الكلام اللفظي أو التحرش اللفظي أو أي عبارة تدل على التحرش وعاقب الفاعل بالحبس التكديري ثلاثة أيام مع الغرامة.

كما أن القانون لم يلحظ الأثر النفسي الكاسر لهؤلاء الأطفال، وكذلك الأمر في حالات الاغتصاب ما أدى إلى زيادة عدد حالات التحرش التي لا يمكن إيقافها إلا بتشديد القوانين وهنا تمنى المحامي المحمود على المشرّع وضع عقوبات خاصة بالأثر النفسي على الضحية لتصل إلى “الإعدام” أو “المؤبد”، في حالة الاغتصاب الواقع على القاصر، وأن لا يطبق قانون الأحداث إذا كان الفاعل يتراوح عمره بين 15 – 18 سنة، وأن يعاقب عقوبة كاملة، وكان الأجدى – برأيه – أن يحدد سن القاصر من الطفولة حتى سن الـ 18 سنة، وأن لا يفرّق بين عقوبة الاعتداء على قاصر دون الـ 12 من العمر (حيث وصلت عقوبة المعتدي إلى الحبس لأقل من 21 سنة) وبين عقوبة الاعتداء على قاصر تجاوز 12 عاما (حيث تصل العقوبة حتى 12 عاما)، ويعاقب المعتدي بالعقوبات التي ذكرناها إذا تجاوز عمره السن القانوني وهو 18 سنة، أما في حال كان عمره بين 15 – 18 سنة يعاقب بنصف العقوبة.

علامات واضحة

الباحثة الاجتماعية ندى بعبع تقول، في حديث لـ “البعث”، إن من العلامات التي تدل على تعرض الطفل للتحرش ملاحظة تغيّر مفاجئ وحاد في تصرفاته: قلق دائم، عدوانية، ردود فعل مبالغ بها، عدم الراحة والاضطراب أثناء أي احتكاك أو اتصال جسدي بينه وبين الآخرين، الخوف والقلق المستمر، الاكتئاب، الإحباط، محاولة إيذاء الأشخاص الآخرين، إضافة إلى عدم انتظام أوقات النوم والأكل لديه، ورفض الطفل الذهاب لمنزل أحد الأقارب أو الأصدقاء بدون وجود سبب واضح، وغير ذلك من التصرفات.

منعا للتحرش 

تختلف طريقة التخاطب مع الأطفال تبعاً لعمرهم وذلك لجهة توعيتهم وحمايتهم من التحرش، وبحسب الباحثة بَعبَع يتعين على الأهل أن يعلموا الطفل أسماء أعضاء جسده باعتباره لا يمتلك طريقة التعبير المناسبة، وأن يتعلم ويلتزم ببعض القواعد المتعلقة بهذا الخصوص، وعليهم تعليمه القاعدة التي تقول “إن أراد أحد ما فعل شيء لا تريده، أو يشعرك بعدم الراحة، فيجب أن تقول “لا ” بكل قوة، وإن حاول إجبارك على فعله عليك منعه والهرب”.

وشددت الأخصائية الاجتماعية على ضرورة تعليم الأولاد على قول الصراحة وعدم الخوف والخجل من الحديث معهم في حال تعرضهم للاعتداء والتحرش من قبل أي شخص، كما نصحت الأهل بالمشاركة الفعالة في حياة طفلهم كالانتباه لأدق التفاصيل المتعلقة بحياته، ومَن هو الشخص الذي يعتني به خلال فترة غيابهم عن المنزل، ومن يقوم بالنشاطات التي يشارك طفلهم بها ومن ينظمها، وحتى المدرسة التي يرتادها وظروف التعليم فيها بالنسبة للطلاب والأساتذة، والتواصل معهم من فترة لأخرى، كما عليهم التحدث عن هؤلاء الأشخاص أمام طفلهم، عن شخصياتهم وتصرفاتهم وهل هم مرتاحون لهم أم لا.

خطر الانترنت 

ونبهت الباحثة إلى خطر شبكة الانترنت على الأطفال كونها مصدرا للتحرش، مُشددة “على الأهل تحديد الأشخاص الذين يُسمح للطفل بالتواصل معهم إلكترونياً، وتحديد المواقع التي يمكنه زيارتها وتصفحها، تفعيل خيار البحث الآمن على محركات البحث التي يستخدمها طفلهم لتصفية المحتوى الجنسي”.

لا انتقام ولا تهديد

في بعض الأحيان، قد يكون رد فعل أحد الوالدين على التحرش الذي تعرض له طفلهما أكثر سوءاً من التحرش بحد ذاته، لأن آثاره النفسية على الطفل ستكون أقوى – وفق ما أكدت الباحثة بَعبَع – لذلك نصحت من يعلم بقضية التحرش أن يبقى هادئاً جداً ويتجنب الصراخ والانفعال أو البكاء لأن هذا سيضاعف الموضوع سوءاً، فالمهم في مثل هذه الحالة أن نشعر الطفل بالراحة ونخلصه من التوتر والخوف الذي أصابه نتيجة ما حصل، كأن نخبره أننا نحبه وسنهتم به دائماً وأن ما حدث لا ذنب له به وهو لم يفعل شيئاً خاطئاً.

ليندا تلي