اقتصادصحيفة البعث

النهج الإستراتيجي لتصحيح الأجور

علي عبود

من المهمّ جداً أن تؤكد الجهات المسؤولة بمختلف مسمياتها ومتدرجاتها، وخاصة على لسان الوزراء المعنيين، أن الدعم في سورية هو نهج حكومي دائم، ولكن الأكثر أهمية أن تلمس الأسرة محدودة الأجر، والصناعي، والمزارع، نتائج فعلية ومباشرة للدعم الحكومي..، فهل هذا ما يحصل؟

إذا كان الدعم كافياً وفعالاً للقطاع الزراعي، فلماذا تقوم الجهات الحكومية قبل الخاصة برفع أسعار مستلزمات الإنتاج، كالمحروقات والأعلاف والأسمدة والأدوية البيطرية.. إلخ؟.

النتيجة المباشرة لهذا “الرفع” كانت زيادة كلف الإنتاج، وبالتالي رفع أسعار منتجاتها من لحوم وألبان وبقوليات وخضار إلى مستويات لا قبل لملايين الأسر السورية بتحملها، لتضطر إلى “طرد” مواد لطالما كانت توصف بالأكلات الشعبية كالفروج والبيض والأجبان والحليب وصولاً إلى الفول والفلافل!!.

وإذا كان الشغل الشاغل للحكومة دعم المنتجين، فلماذا لا تساعدهم بتسويق محاصيلهم ولا تتدخل إلا بتوجيه رئاسي؟.. وإذا كان نهج الدعم كافياً وفعالاً للقطاع الصناعي، فلماذا أهملت جميع الحكومات المتعاقبة إصلاح شركاتها العامة المتعثرة وتغيير نشاطها لتتحول إلى رابحة ورافدة للخزينة العامة من جهة، وتوفير سلع منافسة في متناول ملايين العاملين بأجر من جهة أخرى؟

حتى القطاع الخاص يشكو قلة الدعم الحكومي، فقطاع الدواجن يتعرّض لخسائر متلاحقة بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج، وأصحاب المنشآت في المدن الصناعية يتعرضون أيضاً لخسائر فادحة ومعاملهم مهدّدة بالتوقف بسبب الكهرباء، ومقترحاتهم لتسريع دوران عجلة الإنتاج لم تستجب لها أي حكومة حتى الآن، لأن الاهتمام كان ولايزال يتركز على المستوردين لا على الصناعيين أو المنتجين!!.

نعم.. الحكومة لا تزال تقدم الدعم، سواء للأسرة أو للقطاعين الزراعي والصناعي، لكن هذا الدعم يتقلص عاماً بعد عام، سواء برفع أسعار مستلزمات الإنتاج أو بتخفيض وزيادة أسعار السلع المدعومة، وبالتالي من المبالغة الحديث عن نهج حكومي دائم للدعم، والدليل أن نتائج هذا الدعم لم تعد ملموسة ولا ظاهرة بل تكاد تكون صفراً، بدليل تقلص القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية وغياب السلع الغذائية الأساسية عن موائدها.

من الملفت، بل الغريب جداً، أن ما من حكومة أجابت عن السؤال: لمن ننتج؟..

الواقع يؤكد تراجع إنتاج سورية من اللحوم والفروج والبيض والحليب والألبان من جهة، وصعوبات بتصريف فائض الإنتاج من الحمضيات والفواكه من جهة أخرى، والأمر لا يختلف كثيراً في المنتجات الصناعية الأخرى كالألبسة والأحذية، والسبب الهوة الساحقة بين الأجور والأسعار.

لو أن الحكومات المتعاقبة حريصة على تنفيذ نهج الدعم الدائم، لكانت حريصة أكثر على تطبيق نهج استراتيجي لتصحيح الأجور، فلا فائدة من زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي، إن لم تكن منتجاته وخدماته تناسب دخل ملايين الأسر السورية، إلا في حالة واحدة وهي القدرة الاستثنائية الخارقة لتصدير معظم إنتاجنا إلى الخارج، وهذا الأمر لم ننجح به حتى الآن.

لم تكن المشكلة في أي حقبة بإيصال الدعم إلى مستحقيه، بل كانت ولا تزال بتصحيح معادلة الأجور والأسعار، فعندما تقرّ الحكومة حداً أدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، يكفي للعيش والسكن، فإن الدعم سيوجّه حينها إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية وللتصدير بما يخدم شعارات من قبيل “الأولوية لزيادة الإنتاج”!

بالمختصر المفيد.. لا جدوى من أي دعم لا يُترجم بتوفير السلع الغذائية الأساسية اليومية على موائد ملايين الأسر السورية، لا بحرمانهم منها وبسرعات قياسية كما حصل في الأشهر الأخيرة، وكنا ولا نزال ننتظر إعلاناً واضحاً ومباشراً من رئيس حكومة ما: تصحيح الأجور نهج إستراتيجي لن نتخلى عنه حتى يتمكن العامل بأجر من شراء جميع احتياجات حياته الأساسية تنفيذاً لما نص عليه الدستور!!.