دراساتصحيفة البعث

عقوبات أمريكا تطال العالم

عائدة أسعد

أثارت أزمة أوكرانيا مخاوف واسعة النطاق، وبات من الواضح أن التأثير الكبير للصراع بين روسيا وأوكرانيا، والعقوبات الاقتصادية ضد روسيا على الاقتصاد العالمي، وخاصة على البلدان الأقل نمواً، يستحق اهتماماً عاجلاً أيضاً.

فحسب البنك الدولي، قد ينكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة تصل إلى 45% هذا العام، بينما قد ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 11%. وإلى جانب ذلك، يمكن أن تشهد الأسواق الناشئة والبلدان النامية في أوروبا وآسيا الوسطى التي لها علاقات وثيقة نسبياً مع البلدين انكماشاً اقتصادياً بنسبة تزيد عن 4%، وهو ما يشكل تناقضاً صارخاً مع توقعات النمو قبل الأزمة بنسبة 3%.

كما خفضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لنمو التجارة العالمية هذا العام من 4.7٪ إلى 3٪ وقالت “أوكسفام”، وهي منظمة خيرية عالمية، إن أكثر من 250 مليون شخص قد يقعون في براثن الفقر المدقع في عام 2022. وبدورها حذّرت المدير العام لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويلا من الاضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة الضغط التضخمي وانخفاض توقعات النمو والغذاء المحتمل، مؤكدةً أن الأزمة الناجمة عن تعطل الصادرات من روسيا وأوكرانيا ستكون الأصعب لأنهما موردان رئيسيان للحبوب والسلع الأخرى التي يمكن أن تضرّ بالدول الفقيرة ولاسيما 35 دولة أفريقية.

وقالت منظمة التجارة العالمية أيضاً إنه من المرجّح أن يكون للعقوبات الغربية على الشركات والأفراد الروس تأثير قويّ على الخدمات التجارية والتي تشمل قطاع النقل وشحن الحاويات وشركات الطيران الخاصة بالركاب.

ووسط كل هذا، خفّض البنك المركزي الأوروبي توقعات نمو منطقة اليورو لهذا العام من 4.3٪ إلى 2.3- 3.7٪ اعتماداً على ما يحدث لأسعار النفط والغاز، وجاء ذلك بعد تحذير برنامج الغذاء العالمي من أنه قد يعاني نحو 323 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2022 بسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا. كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه لا يمكن للأشخاص المحاصرين في أزمة حول العالم دفع ثمن الحرب في أوكرانيا، وأضاف أن هذا ليس وقت الحمائية ويجب على جميع البلدان إبقاء الأسواق مفتوحة، ومقاومة قيود التصدير غير المبرّرة وغير الضرورية، وإتاحة الاحتياطيات للبلدان المعرّضة لخطر الجوع.

ومن أجل المساعدة في تخفيف هذه الأزمة الاقتصادية الحادة، ينبغي بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لإخماد نيران الصراع وليس تأجيجها، وهناك حاجة ماسة إلى مزيد من المشاركات الدبلوماسية لإنهاء أزمة أوكرانيا.

لقد أثبتت العقوبات الغربية على روسيا حتى الآن عدم فعاليتها في إنهاء الصراع أو تخفيفه، وفي الواقع تظهر العديد من الدراسات أن معظم العقوبات الاقتصادية تفشل في تحقيق أهدافها. وعلاوة على ذلك ينتهي الأمر بالعديد من العقوبات الاقتصادية ببساطة إلى معاقبة المدنيين الأبرياء، وفي الصراع الروسي الأوكراني لن يكون الأمر في روسيا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب لم يتفق رئيس الوزراء الهندي مع الرئيس الأمريكي خلال اجتماعهما الافتراضي يوم الاثنين الماضي على خفض استيراد النفط الروسي، لأن ذلك سيضرّ بمصالح أكثر من 1.38 مليار هندي.

إن العقوبات الثانوية التي هدّدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرضها على الدول التي لا تتبع عقوباتها من جانب واحد ستؤثر بشكل أكبر على النمو العالمي والأمن الغذائي، لهذا فإن العالم بحاجة إلى مزيد من الحكمة السياسية لإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وتجنّب الأضرار التي تلحق بالاقتصاد العالمي وخاصة على البلدان الأقل نمواً.