دراساتصحيفة البعث

معركة الدفاع عن المسجد الأقصى

قسم الدراسات

في كل عام، وتحديداً في رمضان، يتعمّد الكيان الإسرائيلي توتير الأجواء حول البلدة القديمة في القدس، وحول الأماكن المقدسة. ومنذ بدء الشهر الفضيل تصاعدت الأمور حتى وصلت حدّ الصدامات بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين، وما زالت مستمرة، وكأن هناك خطة للإبقاء على هذا الوضع المتوتر ما دام الصوم قائماً. ولكن ما هي أسباب اندلاع هذه الأحداث التي تبدو مركبة ومعقدة ومتداخلة، ولماذا يحدث هذا التصعيد في شهر رمضان تحديداً؟.

يمثل المسجد الأقصى عنصراً مهماً في إشعال الموقف في الوقت الحالي لما له من قدسية خاصة في هذا الشهر، وهو ما تحاول قوات الاحتلال الصهيوني إسقاطه من العقيدة الفلسطينية كونه المؤثر الأكبر والأقوى، بل الأصدق في ترسيخ فكرة الوجود الفلسطيني والعربي في تلك البقعة المقدّسة من الأرض. ورغم أن قضية الأقصى مثلت سبباً رئيسياً للتوتر في المدينة وأحدثت غضباً كبيراً لدى الفلسطينيين، ولكن يبدو أن الممارسات والخطط الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى كانت هي الفتيل الذي أشعل هذا الغضب، وسط إحساس فلسطيني بتعرض الأقصى لخطر مصيري.

من الطبيعي أن المسّ بالأقصى هو الشرارة التي تقود إلى اشتعال الأحداث، وإن كل ما يرد عن هذا التوتر -من الجانب الصهيوني- هو محض كذب، لأن اقتحام المصليات في المسجد الأقصى قاد إلى ما آلت إليه الأمور في المدينة. لهذا فإن اقتحام الجماعات الصهيونية المسجد الأقصى هو هدف الاحتلال الإسرائيلي من تحرشه بالمسجد الأقصى، لكن المختلف هذا العام أنه يأتي بعد موجة تطبيع على كافة المستويات، وبالتالي سيشعل الأوضاع ويمكن أن يفضي إلى انتقال شرارة الأحداث إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وسط انحياز العالم الغربي الذي يتبجح بشعارات حقوق الإنسان في أوكرانيا وغيرها من شعارات كاذبة ليست قائمة على مبادئ حقيقية.

المشهد اليومي في فلسطين يمكن رؤيته من عدة زوايا، أهمها أن الغاية بعيدة المدى مما يفعله الإسرائيليون بحماية من جنودهم هي هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم، وما يبحثون عنه في هذه المرحلة هو تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً حتى يصبح الموضوع مقبولاً مستقبلاً، كما حدث في الحرم الإبراهيمي، وهذا يمهّد للخطوة التالية وهي تمكين اليهود ومنع المسلمين من الصلاة في الأقصى حتى يتمّ الوصول لمرحلة الهدم.

منذ بداية شهر رمضان دعت “جماعات الهيكل”، وعلى رأسها مجموعة “هوزريم لاهار” اليهودية المتطرفة، المستوطنين اليهود إلى ذبح قرابين عيد الفصح العبري في باحات المسجد الأقصى، وذلك كخطوة خطيرة في التعامل مع الحرم الإسلامي كـ”هيكل” مزعوم ينادي اليهود المتطرفون بإعادة بنائه، وعرضت هذه المجموعة مكافآت مالية للمستوطنين اليهود، لتشجيعهم على اقتحام حرم المسجد الأقصى وذبح القرابين ابتداءً من مساء يوم الجمعة 15 نيسان الحالي، حيث يمتد عيد الفصح العبري حتى 23 من الشهر نفسه.

وفي مشاهد تعيد للأذهان ما حصل خلال شهر رمضان الماضي، خلال عام 2021، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوماً عنيفاً وغير مسبوق على مئات المصلين داخل مصليات المسجد الأقصى، وقامت بعد صلاة فجر الجمعة، 15 نيسان الحالي، بتحطيم بوابات المصلى القبلي ونوافذه وإطلاق قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي على المرابطين بداخله، قبل أن تنجح بدخوله وتدنيسه واعتقال الشبان الفلسطينيين، الذين اشتبكوا مع شرطة الاحتلال وحاولوا منعها من الدخول.

يقول خبراء ومحللون فلسطينيون إن الاحتلال يحاول إفراغ المسجد الأقصى من المصلين تمهيداً لاقتحامات جماعات الهيكل. ورغم أحداث الجمعة، جدّدت جماعات الهيكل دعواتها لاقتحام الأقصى، وبحسب الباحث في شؤون القدس زياد إبحيص، إن إحياء “جماعات الهيكل” طقوس “القربان”، تحدّ كبير لكل مسلمي العالم تحت حماية سلطات الاحتلال.

ويقول د. عبد الله معروف أستاذ دراسات بيت المقدس ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى، إن هذا الأمر له سابقة في التاريخ الحديث، ففي عام 2019، كانت حكومة الاحتلال قد أعلنت عدة مرات نيّتها بعدم السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى في يوم عيد الأضحى المبارك، الذي تزامن حينها مع مناسبة دينية للجماعات اليهودية المتطرفة، لكن الذي حصل أن المصلّين فوجئوا باقتحام أعداد كبيرة من شرطة الاحتلال للمسجد بعد أداء صلاة العيد لإخلائهم بالقوة منه، وذلك تمهيداً لاقتحام الجماعات المتطرفة للأقصى بحماية الشرطة، وبالتالي تبيّن أن كل ما كانت تقوم به حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو حينها، هو مناورة لتضليل الفلسطينيين والسماح بالنهاية للمتطرفين بالاقتحام. وبالتالي، يقول معروف إن “ما شهدناه يوم الجمعة الفائت من اقتحام بأعداد كبيرة من شرطة الاحتلال للمسجد وقمع المصلين، يبيّن أنه قد يكون لدى الاحتلال نية مبيتة للسماح للمتطرفين بتقديم القرابين داخل باحات المسجد”.

إن اقتحام الأقصى ودخول الاحتلال المسجد القبلي تطور خطير وتدنيس للمقدسات وإعلان حرب، لكن الشعب الفلسطيني لن يسمح لقوات الاحتلال والمستوطنين بالاستفراد بالمسجد الأقصى وسيدافع عنه، لأن ما يتعرض له الأقصى يكشف حقيقة نوايا الاحتلال لفرض السيادة الإسرائيلية على الأقصى وتقسيمه. لذلك إن المواجهة التي وقعت في رمضان الماضي 2021، وما سبقها من محاولات لإخلاء حي الشيخ جراح في القدس من ساكنيه، قد تتكرّر هذا العام، لأن الأسباب التي أدت للمواجهة تتكرر الآن!.