اقتصادصحيفة البعث

٧٠٠ ألف على كل مليون..؟!! فوائد أعلى لـ”التسليف” و”التوفير” تُحمّل ذوي الدخل المحدود أعباء إضافية!

دمشق- فاتن شنان

صُدم مراجعو مصرفي التسليف الشعبي والتوفير بقرار وقف منح القروض حالياً، وخاصة مقدمي الطلبات الذين تمّت دراسة طلباتهم وتجاوزوا الخطوات الأولى في عملية المنح، إذ علا ضجيجهم في أورقة أحد فروع مصرف التسليف الشعبي جراء القرار المفاجئ، محتجين على تغاضي إدارة المصرف عن جاهزية طلباتهم، وتحويلها مجدداً للتريث ريثما يصدر القرار الجديد لتتمّ دراستها بموجبه، ما يعني مزيداً من الانتظار والتأخير في استلام قروضهم المنتظرة، حيث بيَّن البعض امتعاضه من تغاضي المصرف عن جاهزية طلبه وتأجيل المنح ليتمّ دراسة ملفه مجدداً بموجب القرار المنتظر، في حين قدم البعض إلى المصرف مع كفلائه لإنجاز معاملته، الأمر الذي أدى إلى احتشاد عدد لا بأس به من المواطنين في المصرف من مختلف المؤسّسات، والتعطل عن أعمالهم لإتمام المعاملة (أصحاب القروض وكفلائهم)، مؤكدين ضرورة تعامل المصرف بشفافية أكثر معهم وإعلامهم عن ذلك الإجراء لتجنّب إحضار الكفلاء أكثر من مرة، الأمر الذي سبّب حرجاً لهم من جهة وإرباكاً في جدول التزاماتهم المبرمة المرتبطة باستلامهم للقروض من جهة أخرى.

توقعات صادمة

مصادر مطلعة في المصرف تناقلت مسبّبات القرار بتأكيدها قرب صدور قرار يواكب قرار المصرف المركزي الذي تمّ بموجبه رفع الحدّ الأدنى للفائدة على الودائع لنسبة 11%، ليكون من الضروري إلحاقه بقرار لرفع نسب الفائدة المطبقة على الإقراض لتجنّب الخسائر لدى المصارف، وتركزت التوقعات حول نسب فائدة عالية جداً قد تتجاوز ١٥% أو ما يوازي ٧٠٠ ألف فائدة على كل مليون ليرة ممنوحة، الأمر الذي يمهد لخروج قروض ذوي الدخل المحدود من قائمة الدعم الاجتماعي وتصنيفها بقروض مرهقة تستنزف قدرة هذه الفئة المعدومة مادياً بالأساس.

لتفادي الخسائر

معاون مدير عام مصرف التسليف الشعبي عدنان حسن أكد لـ”البعث” أن قرار التوقف عن المنح مؤقت وقد لا يتجاوز العشرة أيام، منوهاً بأن استقبال طلبات الإقراض لم يتوقف، بل توقف إعطاء التعهدات للمحاسبين لحين صدور القرار الجديد الذي سيتمّ خلاله دراسة معدلات فائدة جديدة وأعلى حكماً من المعتمدة حالياً. واعتبر حسن أنه من الطبيعي صدور قرار لاحق أو موازٍ لقرار المركزي باعتماد نسب فائدة أعلى تحقق توازناً ما بين الكلف الجديدة والأرباح في المصارف لتفادي حصول المزيد من الخسائر المحققة حالياً بالقروض الممنوحة سابقاً جراء القرار، بمعنى أن المصرف ونتيجة لرفع الفائدة على الودائع وبنسبة عالية مقدارها أربع نقاط على الودائع أي بنسبة ٥٦%، أدى لزيادة في التكاليف، وهذا بدوره سيؤدي لخسائر في أرباح المصرف في حال الاستمرار بالإقراض بفائدة ٧% للقروض مقابل دفع ١١% للودائع، موضحاً أن الخسائر من القروض الممنوحة سابقاً أيضاً لعدم كفاية الأرباح في تغطية التكلفة الجديدة، لذلك لابد من اعتماد آلية تعويض لخلق توازن ما بين التكاليف المدفوعة والأرباح الناتجة عن الإقراض، مبيناً أنه من المعمول به عالمياً، صدور القرارين معاً لمنع الخسائر المصرفية، أو اعتماد قانون الفائدة المتغيرة لمواكبة التطورات في سعر الفائدة.

مضطر..!

وحول العبء الإضافي الناجم عن ارتفاع سعر الفائدة، ولاسيما على ذوي الدخل المحدود وخروج المصرف من قائمة الدعم الاجتماعي، بيّن حسن أن المصرف لا يزال يؤدي دوره في هذا المسار، ولكن باعتبار أن هذه القروض تشكل ٩٥% من محفظته التسليفية فلا يمكن أن يعوض خسائره من قروض أخرى، ولذلك فالمصرف مضطر لرفع معدلات الفائدة، مع الإشارة هنا إلى أن المصرف يتقاضى فائدة تصل إلى ٥٥٦ ألف ليرة لكل مليون ممنوح لمدة سبع سنوات بفائدة ٧%، وعليه فالسؤال الذي ينتظر الإجابة: هل تتحقق التسريبات باقتراب الفائدة من ٧٠٠ ألف؟!، وبالتالي أين جدوى القرض لذوي الدخل المحدود؟.

في هذا السياق، لم ينفِ حسن أن هذه الفئة ستدفع التكلفة الأكبر، ولاسيما أن قنوات المصرف الاستثمارية محدودة ولا يمكن التعويل عليها، كما أن رفع الكلفة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة يمكن تعويضها عبر منتجاتها إلا أن الموظف سيدفع الحصة الأكبر من الارتفاع.

أعباء مالية

بدوره أكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد أن من بديهيات العمل المصرفي أنه حين يتمّ رفع معدل الفائدة على الإيداعات يتمّ بالمقابل رفع نسب الفائدة على التسهيلات الائتمانية، لذلك ستقوم المصارف برفع سعر الفائدة على التسهيلات الائتمانية والقروض الممنوحة بشكل موازٍ لنسبة الرفع في سعر الفائدة على الودائع لتستطيع تغطية تكاليفها، ما يعني حصول ارتفاع على المقترضين، سواء كانوا منتجين أو صناعيين أو أفراداً. ولفت محمد إلى أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة وذوي الدخل المحدود سيتحملون العبء المادي، موضحاً أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تعاني بالأصل من عدة عقبات، سواء من حيث الضمانات أو الخبرة أو التمويل أو الإدارة، وبمثل هكذا قرار تُضاف عقبة جديدة أمامها بارتفاع تكلفة التمويل إن وجد، متسائلاً: هل سيتمّ دعم سعر الفائدة من قبل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو من خلال برنامج دعم أسعار الفائدة أم لا؟.

كذلك الأمر بالنسبة لقروض ذوي الدخل المحدود، ففي حال قيام المصرفين المذكورين بتعديل أسعار الفائدة على القروض، ستظهر عقبة تمويلية جديدة أمامهم توازي عقبة الكفلاء وعتبة تدني الدخل الشهري بالتوازي مع استمرار اعتماد نسبة 40٪ من الدخل، ما يعني أن الراتب هو الفيصل في تحديد سقف القرض الممنوح، كذلك سيقابل رفع سعر الفائدة انخفاض جديد لسقف القرض، وزيادة في حجم الفوائد، وبناءً عليه سيصبح القرض منخفض الجدوى عما كان عليه قبل رفع الفائدة.

وعلى سبيل المثال، بيَّن محمد أنه إذا كان القسط المسموح اقتطاعه من راتب الموظف 40 ألفاً، بفائدة 12٪ ولمده 5 سنوات، فإن سقف القرض المسموح سيكون 1.798 مليون ليرة، فيما حجم الفائدة سيكون 587.900 ليرة، أما إذا ارتفعت الفائدة بواقع نقطتين فقط إلى 14٪ فإن السقف سيصبح 1.719 ليرة، وحجم الفائدة 663.755 ليرة، أي انخفض السقف بنحو 79 ألفاً، بينما ازداد حجم الفوائد بنحو 76 ألفاً، وبالتالي الخسارة ستحقق من جيب ذوي الدخل المحدود بشكل مؤكد.