ثقافةصحيفة البعث

ثناء أحمد “في حضرة الغياب”.. إرهاصات ومحفزات خاصة وعامة

“لم أكن أنوي…

تجاهل الفواصل واعتراض الجمل

بحلمي الهفهاف شرّينتُ شوقي

الرّاعف

وعند خاصرة الزمن المتحشرج لملمتُ رماد قابيل”

ما أجمل علامات الترقيم حينما نستخدمها في علاقاتنا الوجدانية، فربما نقطع صلة الوصل بجملة قد تدمرنا إذا لم نضع نقطة في نهاية السطر، وربما نترك الفواصل المنقوطة لأننا لا نقوى على وضع النقطة التي تقودنا إلى سلسلة من إشارات التعجب، إلا أن الشاعرة ثناء أحمد تعترف بأنها لم تكن تنوي اعتراض الجمل ولا تنوي اعتراض أغاني السلام في قصيدتها “ليس اعتذاراً” من مجموعتها الجديدة “في حضرة الغياب” الصادرة عن دار بعل في دمشق مؤخراً.

وقد ضمّنت بين سطور قصائدها النثرية بعض الأساطير مثل أسطورة نارسيس الذي عشق نفسه، واستحضرت تاريخ آشور ومرثية فرعون ولوط في هواجسها الحزينة، وخصّت الوطن بقصائد مباشرة مثل وطني، وحرائق في وطني، وامتدت بالمكان إلى بيروت، في حين اتخذ الحب صوراً متنوعة بعبارات وتراكيب معبّرة وبعيدة عن الغموض والحشو، منوعة بأسلوبها الإنشائي والخبري وبتلاحق الجمل الفعلية والاسمية، كما في قصيدة “انتظرني عندما” التي باحت بها بصوت الأنثى العاشقة وغردت بإحساسها الأنثوي العاجز إزاء الإمعان بعينيه اللتين وصفتهما بالعاصفتين، تاركة العنان لخيال القارئ المترامي بين خيارات عدة ترتمي كلها في عمق العاصفة:

“انتظرني…

سأعترف بحبك… عندما

لا أستطيع أن أحدق في عينيك العاصفتين..”

بينما في قصيدة “تداعيات مجهولة الانتماء” تصل إلى حافة اليأس من الحب والزمن راسمة مشهداً من الغرفة الكئيبة لصاحبتها:

“قليل من الأماني

وكوب بُن في الزاوية

أحاول أن أستميل الحسّ

بصبر اللهفة الهاربة

عند عالم بليد”

وتعود إلى التماهي مع القصيدة المؤنسنة توءَمها الروحي رابطة بين مشاعرها وأحرفها التي رسمتها بتشكيل يشبه جذع الشجرة، في قصيدة “لا تعتب”:

لاتعتب

أيها الحزن القاطن

في الجذور

إن ترجمتك

لابتسامات يابسة

على فم القصيدة”

وحفلت المجموعة بقصائد عدة بعناوين شائقة توحي بمضمونها مثل: “صفر الخريف”، “لم يعد”، “بائع الهوى”، “نياط القلب”.. وغيرها. ويبقى العنوان في حضرة الغياب مفتاحاً لما بقي في القلب والذاكرة عبْر مئة صفحة.

ثقافات وقراءات

وفي حديث “البعث” مع الشاعرة ثناء أحمد، أوضحت أن مجموعة في حضرة الغياب هي الثالثة ضمن مسارها الأدبي، وتمثل حالة وجدانية شعورية في فترة زمنية معينة -وهذا ما دلّ عليه العنوان- تناولت فيها بعض النصوص العاطفية إضافة إلى الوطنية الخالصة وهي ناتجة عن إرهاصات ومحفزات، قد تكون خاصة وعامة مستمدة من الواقع المحيط بنا، وتابعت: في هذه المجموعة وفي سواها لم أتعمد المضي بخط معين، فأنا أعبّر عن نسيج مشاعر تنتابني بلغة تعكس خلاصة قراءات وثقافات ومطالعات متعددة.

أما عن اتخاذها قصيدة النثر مساراً لها، فأضافت: قصيدة النثر تحظى بالمشاعر الأسمى والأجمل بالنسبة إليّ ويبقى حضورها الخاص في خاطري، رغم أنني أكتب الشعر الموزون والقصة القصيرة والقصة الومضة.

ملده شويكاني