تحقيقاتصحيفة البعث

أغلبها هياكل شكلية.. مجالس الإدارات “كراسي” للمصلحة الشخصية في غياب معايير الاختيار العادلة..!

اجتماعات دورية وشكلية وقرارات خجولة “مجهزة سلفاً” لا تخرج من دائرة ما تريده الإدارة العامة للمؤسسة أو الشركة، في حين يبقى الهامش المتروك لأعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات في اتخاذ قرارات جدّية هو “صفر”، حسب ما أجمع عليه أهل الاختصاص وسط عشرات إشارات الاستفهام حول أسباب ودوافع ونتائج الاجتماعات عديمة الفائدة في وقت يتسرب الترهل والضعف شيئاً فشيئاً إلى العمل المؤسساتي الذي غلب عليه الطابع الروتيني على مرأى من جميع المسؤولين وجميع من جلس على كرسي مجلس الإدارة دون أن يحرك ساكناً!.

مجرد أدوات! 

وفي وقت يتمّ اختيار أعضاء مجالس الإدارة في دول العالم وفق اعتبارات معيّنة تتلخص بالخبرة العالية بالأمور التي تختص بها الشركة أو المؤسسة، نجد أن أعضاء مجالس مؤسساتنا هم عبارة عن أحجار شطرنج متحركة من معاون وزير أو مدير عام متقاعد في شركة إلى عضو مجلس إدارة في شركة أخرى بعيدة كل البعد في عملها عن الشركة السابقة، إذ يتم اختيارهم بناء على اعتبارات لا تمتّ لمصلحة المؤسسة بصلة، وتغوص في مصالح شخصية تتحكم بها “الواسطة والمحسوبيات” ليصبحوا مجرد أدوات بيد إدارات الشركات أو المؤسسات لإقرار قرارات لا يريدون تحمّل مسؤوليتها وحدهم، وعلى الرغم من تأكيد موظفي الشركات على عدم جدوى هذه المجالس وتحولها يوماً بعد يوم إلى عبء ثقيل على كاهل هذه المؤسسات التي تضيع المال والوقت في عقد الاجتماعات وإصرار الكثيرين على نيل لقب عضو مجلس إدارة، كنوع من “البرستيج”، ناهيك عن الفائدة المادية له، إلّا أنّ أعضاء هذه المجالس يصرّون على أهمية دورها في رسم استراتيجيات المؤسسة ومراقبة عمل الإدارة التنفيذية لها.

ضعف الرقابة 

ويعرّف الاقتصادي الدكتور زكوان قريط مجالس الإدارة في شركات أو مؤسسات القطاع العام أو الخاص بأنها هيئة مهمة لرسم الخطط الإستراتيجية للشركة، ووضع السياسات وحل المشكلات الإستراتيجية أيضاً لها، لكن أصبحت مهمة هذه المجالس خاصة في القطاع العام غير فعّالة بما يكفي، وتحولت إلى أداة للمصادقة على قرارات المدير العام، أو رئيس مجلس الإدارة دون نقاش. واستند قريط في حديثه إلى علوم الإدارة التي تؤكد أن مهمة مجلس الإدارة تتمحور حول دعم اتخاذ القرارات المصيرية في حياة الشركة وإغناء الأفكار وإعطاء حلول إبداعية وتقديم طروحات إستراتيجية، خاصة وأن أعضاء مجلس الإدارة يكونون من فئات مختلفة ومزيج من عدة تخصصات مكمّلة لبعضها البعض، إضافة إلى أن تلاقح الأفكار فيها ضروري من أجل تطور الشركة، وهذا مغيّب عن معظم شركاتنا العامة، وانتقد دكتور الاقتصاد ضعف الرقابة التي يجب أن تكون من قبل الجهة التي أصدرت قرارات بتشكيل مجلس الإدارة “الوزير”، إذ يجب أن يكون المجلس مسؤولاً أمام الوزارة عن أي فشل أو تعثر يصيب الشركة، بالمقابل سيكافئ إذا ما حصل نجاح وتقدم في الشركة.

تضارب في الأفكار 

ويرى عامر ديب “عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها” أن الأساس في الوصول إلى مكان مهم بالعمل المؤسساتي في القطاع العام هو توزيع المهام والإشراف على تنفيذها، فدور مجلس الإدارة في أي مؤسسة  استشاري ويساهم في اتخاذ القرار ووضع الاستراتيجيات، ويكون المدير العام للمؤسسة المسؤول المباشر عن التنفيذ بإشراف الإدارة، لكن ما نلحظه اليوم هو إعاقة مجلس الإدارة، ووجود أفكار مختلفة تؤدي للتضارب، ولاسيّما أن صلاحيات مجلس الإدارة غير واضحة في القانون لينتج خلط في التطبيق بين مهام الإدارة ومهام مجلس الإدارة، وبالتالي الوصول إلى أن القول الفصل وصيرورة العمل في الشركات تتمّ كما ترغب إدارة الشركات وليس مثلما ترغب إدارة المجلس. ويرى عضو مجلس الإدارة أن تصغير عدد مجلس الإدارة ضروري اليوم ليعطي سرعة وتناغماً في العمل، إضافة إلى السرعة باتخاذ القرار ووضع الاستراتيجيات لعمل المؤسسة، خاصّة وأن مجالس الإدارة اليوم لا تملك أي دور فعال، كذلك يجب وضع رؤية صحيحة لعمل الوزارات وارتباطها بالمديريات وخلق منظومة عمل في هذا الموضوع.

وانتقد ديب العقلية التي يعمل بها القطاع الخاص والتي لم تتغيّر رغم أن المعطيات والظروف الاقتصادية تتغير حوله، ناهيك عن عدم مرونة مجالس إدارته باتخاذ القرار، وقدّم ديب مثالاً بمجالس غرف القطاع الخاص “غرفة الصناعة والتجارة” والتي انحصر دورها اليوم بالمعارض، أي العمل على جزئية تحقق بعض المصالح الشخصية ولا تنعكس إيجاباً على الاقتصاد.

معايير وقواعد 

محمد كوسا “خبير اقتصادي” طرح مجموعة تساؤلات حول إمكانية وجود قانون أو قرار ينظم عمل مجالس الإدارة، وهل هو كافٍ ليكون لدينا مجالس إدارة تقوم بمهامها المطلوبة منها وفقاً للنشاط أو القطاع، وأن تكون مسؤوليات هذه المجالس غير مسيئة لتقدم الشركات والمؤسسات، وأيضاً هل المعايير الواردة في هذا القانون أو القرار الناظم لعمل مجالس الإدارة ستفضي إلى تعيين الأعضاء المناسبين من حيث الخبرة والعلوم والاحتياج الحقيقي لتسيير عمل هذه المؤسسة، لذا -برأي كوسا- يجب البحث بقواعد اختيار مجالس الإدارة والبحث بسياسات مجالس الإدارة حسب النشاط أو المؤسسة أو القطاع، إضافة إلى البحث بالمعايير وإجراءات انتقاء أعضاء مجالس الإدارة وفي نوعية المهام الإستراتيجية أو الإجرائية وتحديدها في كل مجلس إدارة.

تهرب من المسؤولية 

ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي فنحن حتى اليوم لم نحقق أغلب المعايير أو الأسس والشروط، ولاسيّما أن الواقع ينمّ على عكس ذلك، وأن المجالس لم تقدم أي إضافة على سير العمل في اغلب المؤسسات أو الشركات التي تتواجد فيها. وتحدث كوسا عن استغلال بعض الإدارات وجود هذه المجالس للهروب من تحمل مسؤوليات بعض القرارات المهمة، والتي يمكن أن تفضي إلى حالات فساد باتخاذ هذه القرارات عن طريق مجالس الإدارة وتوزيع المسؤوليات على مجالس الإدارة أو تضييع المسؤولية، لتصبح هذه المجالس عبارة عن دائرة لحماية فساد تلك الإدارات. ويرى كوسا أن أغلب مجالس الإدارة لا يهتم بالاطلاع على المعلومات الكافية والمناسبة للشركة، كما أن أغلب قراراتها محدّدة سلفاً من قبل المدير العام أو الوزير، وبالتالي هي مجرد هياكل شكلية وسبب في التهرب من المسؤولية وتمرير حالات الفساد، ولاسيّما أن أغلب المجالس تحمل الصبغة نفسها، الأمر الذي يُحتّم تقييم عمل هذه المنظومة لتحديد فعاليتها من عدمها، ودلّل كوسا على فشل هذه المجالس بحقيقة أننا لو قمنا بدراسة سلسلة زمنية ومتابعة سير عمل شركات القطاع العام الاقتصادي، وخاصة الصناعي، نجد أن الفشل أو الانحراف هو الصفة الظاهرة وخاصة خلال الأزمة، إذ كان الأجدى بهذه المجالس وضع أفكار وإجراءات لتلافي صعوبات العمل في القطاع العام ومساندته في التأقلم مع الأحداث، وتغيير منهجية العمل فيه ليستمر منتجاً، وهذا ما لم نصل إليه أبداً، فكانت مجالس الإدارة عاملاً لضياع المسؤوليات وتهرب الكثير من المدراء من العقاب.

تغيير الطريقة

وبالمحصلة، نجد أنه من الضروري اليوم تغيير طريقة انتقاء أعضاء مجالس الإدارة، ووضع إصلاح هذه المجالس في أولويات الإصلاح الإداري، خاصّة وأن البعض يُصرّ على اقتحام مجالس الإدارة لأسباب شخصية أو مادية أو كنوع من البرستيج أو للتدخل بشؤون بعض المؤسسات، أو بهدف التخريب لمصلحة أشخاص معيّنين في القطاع الخاص!.

ميس بركات