ثقافةصحيفة البعث

مسموح في الدراما… ممنوع على الصحافة؟؟!!

دمشق – لينا عدره

هل صحيح أن ما يُسمحُ بتناوله في الدراما، يُمنعُ التطرق له من قريبٍ أو من بعيد في الصحافة، على الرغم من أن “الرقيب” واحد، وعلى الرغم من أن صحافتنا لعبت دوراً ريادياً في الدفاع عن سورية على امتداد سنوات الحرب التي كانت فيها قنوات معروفة شريكة في سفك الدم السوري، وعلى الرغم من أن البعض حمل بعض المسلسلات الدرامية مسؤولية مباشرة عن تسطيح الوعي والاستخفاف في تناول الحقائق وتقديم رؤية معممة أقرب إلى “البوليسية”، بل واتهمها أحياناً بممارسة نوع من “التحريض”، بحسن أو سوء نية، وعلى الرغم – أخيراً – من أن الدراما تتجاوز “الخطوط الحمر” فعلياً في كثيرٍ من الأحيان، رغم ما تنطوي علي من تأثير تراكمي، وما لها من جماهيرية، ورغم أنها من أكثر أدوات الاتصال سرعةً وتأثيراً في الجمهور.

في الرد على هذه التساؤلات، وافق  د. أحمد الشعراوي، الأستاذ في كلية الإعلام، على أن هناك فجوة كبيرة في الطرح بين وسائل الإعلام بشكل عام وبين الدراما التي وصلت مرحلةٍ باتت تُطرَحُ فيها موضوعاتها دون حسيب أو رقيب، وتتجاوز “الحدود الطبيعية”، كإظهارها بعض الأماكن، كالمدينة الجامعية مثلاً، على أنها بؤرة لا أخلاقية، أو التعميم بطريقة مسيئة جداً، لينسحب الأمر ذاته – يتابع الشعراوي – على الطروحات المتعلقة بالفساد، والتي تحمل أيضاً الكثير من المبالغة، في وقت يمنع على الصحافة أن تتناول، ولو بالمستندات والوثائق، بعضاً من هذه الأمور..

وقدّر د. شعراوي بأن الأمر عائد حتماً للقائمين على وسائل الإعلام الذين يحاولون ممارسة رقابة مبالغ فيها تجنباً لجرائم النشر.

د. نهلة عيسى، الأستاذة في كلية الإعلام جامعة دمشق، لم تستغرب التباين القائم في حدود، فالإعلام في الذهن الشعبي لصيق بالمصداقية والواقع والحقيقة، وكل ما يقوله – بالتالي – لابد أن يكون يقينياً، فلطالما التصق الإعلام في أذهان العامة باعتباره وسيلة لمعرفة الواقع، لا بل بإمكاننا اعتباره بديلاً عن الحواس الخمسة، وبالتالي عن التجربة الموضوعية. لذلك فإن أي حادث ينقله الإعلام يشكل دليلاً أكيداً لا يمكن دحضه، أو نفيه، بينما يُنظر للدراما على أنها “حكاياتٌ” قد تستند على واقع وتحمل بعضاً من ملامحه، إلا أنها تبقى في نهاية الأمر “رواية” تحدث أو لا تحدث، أو “فانتازيا” قد تنطوي على بعض الواقعية،  أو قد ترتبط بالأساطير، أي بما لا يحدث، أو يحمل الكثير من المبالغة.

وعبرت د. عيسى عن أسفها لأن الدراما فارقت مساحة الخيال، وباتت أكثر التصاقاً بالواقع، بل وباتت ممعنة في التهويل والمبالغة، وتتعمد التعميم في تناولها لظاهرة ما، بالرغم من أنها قد تكون ظاهرة محدودة، فالدراما في عصرنا إحدى أخطر الأدوات التي تجري الاستعانة بها لوصم الشعوب والمجموعات والأفراد بتهمٍ قد لا تنجو منها، لا بل قد ترافقها لأزمنة طويلة، فالعنصرية والإرهاب الثقافي يميزان صناعة الدراما الحديثة، رغم أنها تبقى مجرد “حدوتة” و”حكايات” بنظر الحكومات والشعوب.

و نوهت د. عيسى بالنقلة النوعية التي سجلها الإعلام حينما ثبت نفسه شريكاُ للسلطة، بعد أن كان أداةً من أداوتها، خاصةً وأن الفوارق تكاد لا تُرى بين عالمي السياسة والإعلام اللذين يقتاتان ويتغذيان اليوم على بعضهما البعض، بحيث يجري التعاطي مع ما يقدمه الإعلام باعتباره وقائع حصلت حتى ولو لم تحصل.. وأضافت بأن الدراما تبقى رغم ذلك متنفسا لتفريغ غضب الجمهور الذي يجد فيها ما ينتقم له، فيكف عن انتقامه الشخصي، علماً – تتابع – أن هذا هو أيضاً أحد أدوار الإعلام، ولكن لطالما تم النظر للنوعين بطريقة مختلفة.

ورغم تأكيدها على أن الدراما أكثر خطورة على المدى البعيد، خاصة وأنه كان لها دورها في التمهيد للفترة التي سبقت الحرب، وعملت على شرعنتها وتبريرها بتقديمها لمجتمعنا على أنه مجتمع فاسدين وقوادين و.. ولا أمل يرتجى منه ما عزز لدى الكثيرين مشاعر مرهقة بالذنب، وليرى من يتابع درامانا من محيطنا الإقليمي أن ما تعرضنا له هو قصاصٌ عادل يجب أن ينزل بنا، لتبقى للصحافة مصداقيتها وأهميتها – حسب ما ختمت د. عيسى.