زواياصحيفة البعث

هل تدرك واشنطن حقاً مخاطر فوضى السلاح؟

هل أدركت واشنطن أن السلاح الذي ترسله بسخاء إلى أوكرانيا عبر دول معيّنة في الاتحاد الأوروبي سيصل كلّه إلى وجهته الحقيقية، أم أنها تعرف سلفاً أن لهذا السلاح وجهة أخرى يمكن أن يسلكها، ولذلك اضطرّت إلى استباق الأمور والتصريح مباشرة عبر وزير دفاعها لويد أوستن، بأنه يصعب على الولايات المتحدة تتبّع مصير الأسلحة التي تنقلها إلى أوكرانيا، وذلك ردّاً على سؤال صحفي عمّا إذا كانت لدى الولايات المتحدة خطة لتتبّع أسلحة مثل “ستينغر” و”جافلين” التي وقعت أثناء المعارك في أوكرانيا في أيدي العسكريين من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.

وأيّاً تكن الجهة التي سيسقط في يدها هذا السلاح، فإن الولايات المتحدة تدرك جيداً أن هذا السلاح يمكن أن يقع في أيدي منظمات إرهابية تعمل على الأراضي الأوروبية، أو حتى عصابات جريمة منظمة أو حتى مافيات أوروبية خطيرة، وبالتالي فإن هذا التصريح ربما ينطلي على محاولة للتنصّل سلفاً من أيّ آثار عكسية يمكن أن يثيرها هذا العمل المحموم على إرسال كميات هائلة من السلاح إلى أوكرانيا، وخاصة أنه سيقع بداية في أيدي الفاشيين الأوكرانيين المتطرفين الذين ظهر خلال الحرب أن جزءاً كبيراً منهم كان سابقاً من أصحاب السوابق وتم إطلاق سراحه من السجون بعد عقد صفقات معه لقتال الجيش الروسي.

فهل تستطيع واشنطن أن تضمن عدم ارتداد هؤلاء المتطرفين بأسلحتهم إلى الداخل الأوروبي إذا ما قُدّر للجيش الأوكراني أن ينهار في نهاية الحرب الحالية، وهل تضمن عدم قيام هؤلاء باستخدام الأسلحة الفتاكة التي حصلوا عليها في عمليات إرهابية في الداخل الأوروبي أو استهداف الطيران المدني باستخدام الصواريخ المحمولة على الكتف التي حصلوا عليها، وقد حذّرت روسيا من مثل هذه السيناريوهات مطوّلاً، ولكن الدول الغربية لم تُعِر هذه التحذيرات أيّ اهتمام، حيث أرسلت مذكرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لوقف توريد الأسلحة، عقب إعلان الإدارة الأمريكية توريد أسلحة بقيمة 800 مليون دولار إلى أوكرانيا.

وصرّح السفير الروسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أناتولي أنطونوف، تعقيباً على ذلك بأن إرسال أسلحة إلى كييف لا يساهم في إيجاد حل دبلوماسي وتسوية للأزمة، مشيراً إلى أن الرقم ضخم، ويدفع نحو زيادة المخاطر وتفاقم الوضع على نحو أكبر.
ولكن إذا قرأنا جيّداً المسار الذي تسلكه التصريحات الأمريكية منذ بداية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، نصل إلى خلاصة تؤكد أن واشنطن لا تقاتل موسكو حتى آخر جنديّ أوكراني كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فحسب، بل إنها مستعدة لمحاربتها حتى آخر إنسان موجود في القارة الأوروبية بأكملها، وذلك أن عجز الولايات المتحدة عن تحديد المصير الذي يمكن أن يؤول إليه السلاح الأمريكي الفتاك الذي يتم إرساله بسخاء إلى أوروبا، هو بحدّ ذاته تأكيد أن واشنطن لا تأبه كثيراً لمسألة الأمن الأوروبي بل تسعى جاهدة لتدمير هذه المنظومة، وذلك لأنها ببساطة تستخدم أوروبا بأكملها لمحاربة روسيا وتقف هي محرّضة ومتفرّجة في آن معاً.

طلال ياسر الزعبي