صحيفة البعثمحليات

في مشفى الأمراض الجلدية.. الجرب والقمل الأكثر انتشاراً.. والشامبو الطبي غير فعّال؟!

دمشق- لينا عدرة

تتزايد معدلات الإصابة بالقمل والجرب والقمل في مختلف المناطق، ومن دون استثناء، لتغدو من بين “مشاهداتنا اليومية في المشافي والعيادات الخاصة” كما يقول الكثير من أطباء الجلدية. وفيما يحمل هؤلاء الظروف الراهنة مسؤولية انتشار هذا النوع من الأمراض، خاصة مع اضطرار الكثير من العائلات لتقاسم السكن مع الأهل وتزايد الاحتكاكات والتجاور، يشددون على أهمية تصحيح المفاهيم الشائعة التي تربط الإصابة بالمستوى الاجتماعي، ما يدفع الكثير من المرضى لرفض العلاج والتنقل كبؤر عدوى متنفلة.

د. نضال حمادي رئيس قسم الأمراض الجلدية في مشفى الأمراض الجلدية والزهرية الجامعي بدمشق، يرجع السبب في الإصابة بالجرب إلى كثرة التنقلات والازدحامات في البيوت، والتي ترتفع نسبتها في الأوقات الباردة، بسبب قلة توفر المياه الساخنة، وبالتالي قلة الاستحمام، في حين تختلف طرق انتقال العدوى لتشمل “استخدام الملابس الداخلية أو فراش المريض”، أو عن طريق الحميمية.. أي ملامسة الجلد لجلد آخر، سواء عبر علاقة زوجية، أو أخوة يتقاسمون الفراش نفسه نتيجة الازدحام في المنامة.

ولم يخف د. حمادي مخاوفه إزاء حقيقة أن الكثير من المرضى يرفضون العلاج، بل ولا يتقبلون فكرته بتاتاً، معتبرين أنه “مسبة” أو “مدعاة للبهدلة”، وقال إن بعضهم يهرب بمجرد سماعه تشخيص الطبيب، متسبباً، على هذا النحو، بتوسيع دائرة المرض ونقله لأكبر عدد ممكن.

وحذر د. حمادي من أن المريض يتعمد إخفاء وضعه عن محيطه، تجنباً للإحراج، ذلك أن المفهوم الشائع يساهم في تصنيف المرض ضمن قائمة “العيب”، ويربطه بـ “قلة النظافة”، غير أن مثل هذه الفكرة عن المرض لا علاقة لها بالمستوى الثقافي أو الأكاديمي أو الاجتماعي، حيث صودفت حالات لأساتذة جامعيين، ومن كلية الطب البشري أيضاً، وجدوا مصابين، وقد صُدِموا لعدم توقعهم ذلك، خاصة مع تأكيدهم المواظبة على الاستحمام، ليشدد انطلاقاً من هذه النقطة على سبب أساسي هو العدوى، مطمئناً إلى أن المصافحة لا تنقل الجرب إلا إذا كان “نرويجياً”، وهذا النوع له مظاهر خاصة جداً، وقد يحدث نتيجة علاج خاطئ!!
على التوازي، دعا د. حمادي إلى تصحيح بعض المفاهيم الشائعة عند الإصابة بالقمل، خاصة تلك التي “تنصح” باستخدام الشامبو الطبي الذي لا يعدو كونه “دعاية” لأنواع شامبو محددة ثبت عدم فعاليتها، وأسف للقناعة الراسخة عند معظم الأهالي بأن استخدام الشامبو الطبي يضمن لأطفالهم الحماية الكافية والكاملة، متمنياً على وزارة التربية و”الصحة المدرسية” تصحيح مثل هذه المفاهيم الخاطئة، وإلزام كل الطلاب الذكور بحلاقة شعر معينة، كتلك التي كانت سائدة سابقاً، لأن بيوض الصئبان تلتصق بمسافة 3 أو 4 سم بعيداً عن جذر الشعرة، وهي لن تتمكن بالتالي من الالتصاق بالشعر عند تخفيفه دون ذلك.

ولفت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة للعلاج، كتلك التي تروج لها بعض “الكوفيرات” عبر إقناع الأمهات بأن “تمييش” الشعر سيساهم بتخليصه من الصئبان، مؤكداً عدم صحة ذلك جملةً وتفصيلا، ليقتصر العلاج الوحيد والفعال على استخدام زيت الكاز الذي يتم استبداله – في حال لم يتوفر – بخل التفاح الساخن، وتسريح الشعر به لكي نتمكن من فك التصاق الصئبان بالشعرة، وبالمواظبة على “تفتيش” الأطفال من قبل الأهالي أسبوعياَ.

وجدد، مرة أخرى، رفضه ربط الإصابة بالمستوى الاجتماعي، والدليل معالجته لأكثر من 15 طفلاً أصيبوا بالقمل، وكانوا جميعا طلاب إحدى المدارس الخاصة، والمشهورة، والتي تصل أقساطها لملايين الليرات، ليعبر عن استغرابه من جواب مديرة المدرسة، حين بادر للاتصال بها لسؤالها عن الإجراءات المتبعة منعاً لازدياد الإصابات، إذ أكدت له أنها قامت بعزل الأطفال المصابين في صف واحد، ما أثار دهشته، خاصة مع وجود طبيب في المدرسة كان عليه إلزام الإدارة بإتباع بروتوكولات معينة ومحددة!

وعن البروتوكول العلاجي المتبع في المشفى، يبين د. حمادي أنه اعتمد سابقاً على طباعة بروشورات تتضمن تعليمات تؤكد على ضرورة معالجة كل أفراد أسرة المريض، لأن إصابة فرد واحد تعني إصابة كل أفراد العائلة، خاصة وأن فترة الحضانة تختلف من شخص لآخر، وقد تستغرق عند البعض أكثر من 15 يوما، إلا أنه مع ارتفاع أسعار الدواء، اقتصر العلاج على من يعانون حكة، ليترك البقية بحجة عدم ظهور أعراض، ما يعرض المريض الأساسي للإصابة مجدداً! ونبه إلى أن العلاج يقضي على المرض إلا أنه لا يعطي المناعة، لنعاود الدخول في “الدائرة المغلقة” – على حدّ تعبيره – مستشهداً بحالة عائلة راجعت المشفى قبل أسبوع ليتبين، بعد إجراء الفحص اللازم، إصابة جميع أفرادها (24 شخصاً)، ما اضطر لمخالفة قوانين المشفى التي تمنع صرف الأدوية إلا للمرضى المقيمين فيها، وإعطائهم الأدوية اللازمة، لأن ارتفاع أسعار الدواء سيحول دون تمكن العائلة من العلاج، خاصةً وأن كل مريض يلزمه ثلاث عبوات لكامل الجسم، يستخدمها على مدار 3 أيام مع صابونة.

د. حمادي نوه بالمقابل بأهمية التزام الكادر الطبي في المشفى بالتعليمات تجنباً لانتقال العدوى التي لا يمكن حدوثها إلا في حال عدم ارتدائهم للكفوف أو اللجوء لمصافحة المرضى، مشدداً على ضرورة إجراء فحص دقيق للمريض، والتأكد من عدم معاناة أي فرد من أفراد عائلته. ولم يستبعد حدوث أخطاء في التشخيص من قبل بعض الأطباء، نتيجة وجود أشكال غير اعتيادية، إذ يعتقد البعض أن بعض حالات الجرب مجرد أكزيما، مثلاً، فيما يُشخِّصها البعض الآخر على أنها تحسس.

وختاماً لا بد من الإشارة إلى أن الغاية من تسليط الضوء على مثل هذه الحالات المرضية، هو من باب الإشارة إلى ضرورة الانتباه والاهتمام أكثر بتلك الشريحة من المرضى، والوقوف عند معاناتهم وتوفير الأدوية المجانية الخاصة بعلاجها لهم إن أمكن، خاصة وأن السواد الأعظم منهم ليس بمقدوره شراء هذه الأدوية لارتفاع ثمنها!!