الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

عنصريّة بغيضة!

عبد الكريم النّاعم

قال له صديقه: “حين تتوفّر الكهرباء أتابع بعض المحطّات الفضائيّة المشغولة بما يحدث في أوكرانيا، ومنها ذلك التدفّق على بولندا من المهاجرين الفارّين من جحيم الحرب، ولا أكتمك أن لديّ نقطة ضعف أن أرى مَن اضطُرّ لترك بيته، وأصدقائه، بحثاً عن النّجاة”.

أجابه: “شعور إنساني طيّب”…

قاطعه: “أراك تقولها ببرود”!.

أجابه: “لا تظلمني، ولكنّ كلامك أثار لديّ أفكاراً متشابكة، وهي غير مُبهَمَة، بل واضحة بجلاء، فقد أعاد إلى ذاكرتي منظر بعض أهلنا في سوريّة أثناء إشعال الحريق فيها على يد الدواعش والمتطرّفين المتأسلمين، وكم كان ذلك مؤلماً، أنا أعرف ماذا يعني أن يضطرّ أيّ إنسان لمغادرة بيته بحثاً عن النجاة، فالبيت ليس الجدران وما يحيط بها، بل هو حياة تُبتَر، وبداية رحلة لا يعرف النّازح إلى ماذا ستؤول، وهذا يثير لديّ سؤالاً مهمّاً هو أين كان المجتمع الغربي حين كان الحريق الداعشي يجتاح في بلادنا البيوت، ويعتدي على الأعراض، ويسبي النساء، وبظنّي لو قُدّر لأحد أن يجمع القصص التي عانينا منها، فسوف يرى مشهداً مأساويّاً، قلّما عرفه التاريخ في مسيره المعروف، أين كان قادة أوروبا، ولماذا لم تحتشد الشوارع احتجاجاً، بل ثمّة مَن دعم بخسّة، وهو يعرف ماذا يفعل”.

بدت الدهشة على وجه صديقه وقال: “صحيح، ما الذي جعل تلك الشعوب يبدو عليها أنّها لا مُبالية تجاه قضايانا”؟!.

أجابه: “لا شكّ وراء ذلك أسباب متشابكة، منها أنّ الغرب، عدا قلّة من المفكّرين الذين أدانوا ذلك،.. هذا الغرب زُرعت فيه بذرة عنصريّة، غذّتها المنظومة الصهيونية العالمية، بطرق خبيثة، لتستفيد منها، وكانت أمريكا المؤيّد الأكبر، لأسباب فيها بذرة عنصريّة، فنحن لم ننسَ بعد أنّ أمريكا كانت أكبر ممثِّل للعنصريّة اللونيّة، ولم ننسَ أنّه حتى أزمنة ليست بالبعيدة عن الذّاكرة، تلك اللاّفتة التي كانت توضع على أبواب مطاعمها “ممنوع دخول الزنوج والكلاب”، ولم يُسمح لأصحاب البشرة السوداء أن يجلسوا على مقاعد الدراسة مع البيض إلاّ فيما بعد، وهذه العنصريّة مُتجذّرة لدى الآباء الأوائل الذين احتلّوا أمريكا فأبادوا شعباً له تاريخه، وحضارته، وثقافته، وكان بعضهم يستلهم في ذلك العنصريّة الموجودة في “العهد القديم”، وبلغ الاستلهام حدّ أنّ بعضهم قد تقمّص هويّة توراتيّة، حتى بالأسماء، وأنت تعلم حجم النّفوذ الصهيوني في أمريكا، وأثره على مستوى الصحافة والإعلام، وبيوت المال، وعلاقتهم بالمافيات.

لاحظ الآن أنّ الفضائيات الغربيّة تقف منحازة لأوكرانيا، ليس لأنّ ثمّة ظلماً قد وقع عليها، كما يزعمون، بل هم يدافعون عن أوكرانيا التي يحدّدون شكلها، ووظيفتها، ودورها لتكون طليعة التهديد لروسيا الاتحاديّة، فرئيس أوكرانيا الحالي هو يهودي، وممَن ساعد في إيصاله إلى هذا الموقع أحد الأغنياء الصهاينة، وكان واضحاً طلب ذلك الرئيس من اليهود في العالم أن يتحرّكوا لدعمه.

هذه العنصريّة، كما يبدو لي كانت وما زالت إنتاجاً صهيونيّاً، استُلهم في الغرب، فكانت النّازيّة التي أشعلت الحرب العالمية الثانية، وهذه النّازيّة هي نفسها التي زرعوا جرثومها في دماء بعض الأوكرانيّين، وهم لا يخفون ذلك بل يجاهرون به، بينما لا تجد أثراً لهذه العنصريّة في حضارات الشرق القديم والحديث”.

قال صديقه: “لقد وسّعت زاوية البيكار يا صديقي”.

أجابه: “أنا لم أبتدع جديداً، ولكنني وسّعت مساحة الرؤيا التي تُعمي عيون قادة الغرب، فلا يرون ما حدث لنا، وما زال، حدث ويحدث في العراق وفلسطين، وفي اليمن،.. لايرونه إلاّ بعيون ذات لون عنصريّ صهيوني، وأعتقد أنّ اجتثاثه سيكون بداية نهاية المشروع الصهيوني”.

aaalnaem@gmail.com