تحقيقاتصحيفة البعث

أيام العيد الثلاثة ترسم أجمل صور التآخي والتكافل بين أهالي السويداء والمهجرين فيها

بعيداً عن الواقع المعيشي والاقتصادي الصعب، والذي قضم الكثير من تفاصيل فرحة العيد، إلا أنه كان لأيامه الثلاثة وقعها الخاص في نفوس أبناء المجتمع المعتطشين للفرح وتبادل الابتسامات، حتى وإن كانت خجولة ومغلفة بالكثير من تفاصيل الحزن، إلا أن الحاجة للنهوض جعلت من العيد منصة مهمّة ليس فقط لتبادل التهاني والفرح بين أبناء المجتمع، بل للانطلاق بالواقع إلى محطات جديدة، حتى أصبح العيد ضرورة في حياة السوريين ليس فقط لطقوسه التي تعزّز الأمل في النفوس بل لعمقه الديني والفلسفي الذي يبعث في الحياة دورة جديدة لابد منها في كل حين.

لم الشمل

اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التهنئة، والتي حاول الناشرون من خلالها وبتصاميم مختلفة التعبير عن الأمنيات بقادم أفضل، في حالة تعبّر عن إيمان السوريين بأن الأفضل لابد أن يأتي وإن طال انتظاره.

وبعيداً عن التواصل الاجتماعي وافتراضاته نجد في الواقع محاولات جادة من قبل الأسر لتجاوز المعوق الاقتصادي والقفز فوقه عبر الإصرار على إحياء طقوس العيد، حتى وإن كان “من قريبو”، كما تقول هدى وهي من محافظة إدلب ومقيمة في السويداء، مضيفة: “المهم بالنسبة لي هي ضحكات الأطفال خلال أيام العيد التي غسلت الأوجاع وطهّرت الآلام والجراح وأنزلت السكينة بالنفوس المتعبة لترتاح وتتجدّد”.

هدى التي لم تستطع عيش طقوس العيد مع أسرتها منذ عدة سنوات، وجدت في جيرانها ومحيطها من أبناء السويداء أسرتها الثانية الذين عوضوها الكثير، لذلك كان العيد مناسبة للتعبير عن شكرها لهم فعبّرت عن حرصها لزيارتهم وتقديم التهاني لهم.

وفي مكان ليس ببعيد، نجد عائلة أبو أمجد وهي القادمة من ريف دمشق، مصرّة على تحدي كل المعوقات لتعيش طقوس العيد كاملة ابتداء من تزيين المنزل إلى وضع بعض أنواع الحلويات التي يبدو أنها صنع منزلي تناوبوا على صنعها مع جيرانهم من أهالي الجبل.

رسالة العيد

وللعيد رسالة راقية عظيمة، جاء ليحيي في الإنسان رغبة الحياة وتجديدها، وكأنك ترى الحياة تبتسم بكل التفاصيل، من فرحة الأطفال بالألعاب، إلى بهجة الأب والأم وهم يريان السرور على محيا أبنائهم، وتشير هنا الاختصاصية الاجتماعية عهد العماطوري إلى أن الإنسان بطبيعته يبحث عن الفرح ليحقق السعادة، فيحرص على توفير الأسباب التي تؤدي لذلك، ولفتت إلى أن إدخال الفرح والسرور إلى قلوب الأطفال وأهل البيت في العيد سُنة، وأن يصل الشخص رحمه ويزور جيرانه وأقاربه وأصدقاءه، ويتبادل التهاني بالعيد معهم استشعاراً من الجميع بأهمية هذا العيد وقعه في النفس كونه يزيل البغضاء ويجدّد الأمل رغم الحزن والظروف القاهرة التي نمرّ بها، إلا أن العيد يسري بالعروق لتزهو الحياة، حيث ما زال فينا متسع للجمال والفرح.. ونهاية لكل ألم وحزن وضيق.

وتجد العماطوري في العيد فرصة للتواصل مع الجميع، وجمع الشمل وليكون رمزاً للالتقاء والتوحد وتجاوز الخلافات والأحقاد، ليس فقط بين أبناء المحافظة وإنما مع كل الوافدين إليها من أبناء الوطن.

شهر الخير

صور إيجابية كثيرة حملتها أيام العيد أتت تتويجاً لشهر الخير والفضيلة، حيث انتشرت في المجتمع الكثير من المبادرات، فهناك من أقبل على الأيتام وخفّف عنهم وعوضهم عما فقدوه من حنان الأبوة، وأشعرهم بعدم الفقدان، وهناك من قصد بيوت الفقراء والنسوة الأرامل يملؤون بعضاً من الفراغ الحاصل في بيوتهم.

يقول وليد الحمود من مكتب التنمية في السويداء إن شهر رمضان حلّ في هذا العام والناس تستشرف الأمل بأن الخير آتٍ على هذا الوطن الذي عانى العوز والحرمان، فكان شهر جبر الخواطر، حيث تضافرت النوايا الطيبة والصادقة والإنسانية من أصحاب أيادٍ بيضاء ومبادرات وجمعيات لترسم بسمة هنا أو تسدّ حاجة هناك، فكان التدخل في شتى أرجاء المحافظة فيما بينهم وبين الوافدين إليها من محافظات أخرى، إما بطعام أو لباس أو دعم طالب أو مساعدة مريض، وهذا ما عزّز إحساس الإنسان بأخيه الإنسان، وهي من القيم الأساسية التي تفخر بها المحافظة وتعمل جاهدة على ترسيخها في الجود وإغاثة الملهوف، إضافة إلى البعد الاجتماعي الذي أكد أن هذا النسيج الاجتماعي بعمقه التاريخي والحضاري لا يمكن أن يكون إلا في المكان الصحيح.

أبجدية العيد

لاشك أن الحرب على سورية غيّرت الكثير من تفاصيل حكاياتنا، وقلبت الكثير من المفاهيم والمصطلحات، وجعلت السوريين يعيدون ترتيب بيتهم الداخلي بطريقة تنسجم مع تلك الظروف، ولكن يبقى شيء واحد يجمعهم رغم كل تلك الفوضى التي طرأت على حياتهم ورغم كل المآسي والويلات التي لحقت بهم، وهو الأمل، وقد تكون فلسفة العيد وأبجدياته هي البوابة التي تبزغ منها خيوط هذا الأمل.

رفعت الديك