صحيفة البعثمحليات

على نفقة من..؟!

بشير فرزان
تثيرُ الكثيرُ من الحفلات التي يقيمها كبار الموظفين في الفنادق الفخمة والمنتجعات، إلى جانب الاستثمارات والمشاريع الكبيرة التي تتكاثر في ملفاتهم، العديد من التساؤلات حول مصادر التمويل المتوفرة بين أيديهم لمثل هذه المشاريع والسهرات الجامحة بالبذخ والإسراف، والتي نراها بعيدة كل البعد عن مظلة قانون العاملين الأساسي الذي وحّد جميع الموظفين تحت سقف معيّن للدخل، وحسب الدرجات التي مهما علت لن تمنح القدرة لأيّ كان أن يؤمّن مصروف معيشته بأبسط أشكالها، فكيف تُقام هذه المشاريع والحفلات، وعلى نفقة من؟!!.
طبعاً هذه التساؤلات نضعها اليوم وبشكل ملحّ في عهدة مشروع قانون الذمة المالية الذي ما زال ضمن دائرة الغياب، رغم التصريحات التي بشّرت بأنه قاب قوسين أو أدنى من الصدور، وخاصة بعد عرضه على مجلس الشعب في شهر شباط من العام 2020. ولا شك أن العبرة ليست في إصدار القانون بل في تنفيذه بشكل جاد وحقيقي، ليطال أصحاب المناصب وكبار الموظفين والعاملين لدى القطاع العام، وكذلك أولئك الذين تسند إليهم مهام وظيفية ذات صلة بالمراجعين أو المال العام، إضافة إلى متولّي الخدمة العامة بالانتخاب أو الوظيفة العامة بالتعيين، وبما يلزمهم بوجوب الإفصاح عن ممتلكاتهم وأموالهم المختلفة، علماً أن هذا الأمر ليس بجديد وإنما موجود في القانون رقم 64 لعام 1958 لكن لم يتمّ تنفيذه أو العمل به.

إن تحريك هذا القانون بمساراته التنفيذية الصحيحة سيكون له عوائد كبيرة على الخزينة العامة، كونه سيسهم في إعادة كتلة مالية ضخمة ضائعة من الموازنة العامة للدولة بطرق مختلفة، بدلاً من الإمعان في ملاحقة صغار المكلفين بالضرائب والبحث المضني عن مطارح ضريبية جديدة في حياة الناس البسطاء، لتأمين موارد جديدة، بينما تترك عشرات الملايين حرة طليقة لتُصرف كما تشتهي الأهواء الشخصية على حساب المصلحة العامة وبكل صفاقة، بحيث تزداد أوجاع الناس تقرحاً ونزفاً في حضرة الشبكات الكبيرة التي تصطاد الحياة العامة بتفاصيلها المختلفة تحت أغطية متعدّدة الوجوه، ومنها القانون الذي لم يعد ذا فاعلية لضعف الأداء وتهالك المؤسّسات الرقابية، وانغماس بعض مفاصلها في الأخطاء.
ما نريدُ قوله باختصار شديد، إنه مع استفحال التجاوزات والممارسات المسيئة للمنظومة المؤسساتية الوظيفية، آن الأوان لإصدار قانون الذمة المالية وتنفيذه على أرض الواقع دون أي تأخير أو مماطلة لتعزيز قوة الدولة وحضورها، واستعادة إيمان المواطن وثقته بمؤسّساتها، خاصة وأن استمرار حالة الغياب لهذا القانون سيساهم في استمرار الفساد الإداري في المؤسّسات الحكومية، وسيزيد من حجم الثروات التي قد تفلت من المحاسبة والمساءلة كغيرها من القضايا المالية النائمة في الإدراج. فهل سيبقى قانوناً على ورق، أم ستُكتب له الحياة في أقرب وقت ممكن؟.