اقتصادصحيفة البعث

التغيرات المناخية تحيّر الفلاحين وتهدد الأمن الغذائي.. و”الزراعة”: دراسة لتعديل مناطق الاستقرار

دمشق – ريم ربيع

لم تكن الأعوام القليلة الأخيرة اعتيادية فيما يتعلّق بالمناخ والتغيّرات والتقلبات المفاجئة التي تعرّضت لها جميع المناطق بلا استثناء، وتأثرت بها على مستوى الزراعة ومخازين المياه ومستوى السدود والأنهار، ما جعل الفلاحين في حيرة من أمرهم أمام مواسم باتت محكومة بمناخ “مزاجي” يصعب توقعه أو التنبؤ به، فمع الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات وتبدّل أنظمة الهطول المطرية وموجات الصقيع الطويلة، أصبح الأمن الغذائي والمحاصيل الاستراتيجية في مواجهة تحديات جديدة يصفها الخبراء “بالخطيرة” على مستوى سورية والمنطقة ككل.

تحذيرات

وكثيرة هي الدراسات والأبحاث التي حذّرت من المخاطر القريبة المترتبة على المتغيّرات المناخية في المنطقة، والتي يتصدّرها ضعف الإنتاج الزراعي وخروج مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، وتأثر الثروة الحيوانية، وزيادة الآفات وأمراض النبات، فيما كان وزير الزراعة حسان قطنا قد أشار سابقاً إلى تأثر الإنتاج وخسارة مساحات كبيرة من القمح والشعير البعل، والمراعي الطبيعية اللازمة لتغذية الثروة الحيوانية، إضافة إلى تضرّر السكان المحليين في مناطق الاستقرار الثانية والثالثة والرابعة وفي منطقة البادية وفقدانهم مصادر دخلهم.

إنتاج “شبه معدوم”

ومع التركيز على مراقبة المحاصيل الاستراتيجية خلال هذه التغيّرات، يوضح مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة أحمد حيدر أن تأثر هذه المحاصيل “البعل تحديداً” من قمح وشعير جاء نتيجة انحباس الأمطار وتبدّل أنظمة الهطول المطرية، إذ شهد الموسم الماضي إنتاجاً شبه معدوم من كلا المحصولين “البعل” بعد موجة الجفاف التي أصابت المنطقة، مما جعل مشكلة احتباس الأمطار تتصدّر أكثر التغيّرات المناخية خطورة على المحاصيل الاستراتيجية، أما باقي المحاصيل فقد تعرّضت لموجات صقيع “غير اعتيادية” أثرت عليها بشكل كبير.

القمح رهن الطقس

بدوره يشرحُ رئيس دائرة المحاصيل الحقلية في مديرية الإنتاج النباتي أحمد حميدي تفاصيل الضرر الذي أصاب المواسم، حيث تمّ زراعة 1.477 مليون هكتار من القمح خلال موسم 2020 – 2021، أي بنسبة 95% من المساحة المخطّطة، وكانت المساحات المزروعة بعلاً 865 ألف هكتار، إذ شجّعت الأمطار المبكرة الفلاحين على زراعة القمح البعل، إلا أن انحباس الأمطار في شهري آذار ونيسان أخرج ما يزيد عن 90% من المساحات البعلية، فالانحباس جاء في الفترة الحرجة للنبات والتي يحتاج فيها المحصول إلى الماء.

أما هذا العام فقد تمّ زراعة 1.191 مليون هكتار، أي بنسبة 79% من الخطة، بينها 635 ألف هكتار بعل، و556 ألف هكتار مروي، وفيما تأخر الفلاحون بالزراعة هذه المرة جاء انحباس الأمطار في شهر نيسان، كما أخّرت درجات الحرارة المنخفضة نمو النبات والإنتاج، ورغم التوقعات بإنتاج 1.5 مليون طن هذا العام إلا أن هذا الرقم لا يزال مرهوناً بالظروف الجوية اللاحقة.

22%  جيدة

وعلى مستوى الشعير، يبيّن حميدي أنه كان أكثر تضرراً من القمح في الموسم الماضي لاعتماد أغلبه على البعل، حيث تضرّر 95% من الموسم نتيجة انحباس الأمطار، أما العام الحالي فقد زرع  1.105 مليون هكتار من أصل 1.400 مليون هكتار مخطّطة، وجاء التقييم حتى تاريخ 22/4 بأن 22% من المساحة المزروعة جيدة، و38% “وسط” وهي نسب ما زالت قابلة للتغيير.

المواجهة..

وعن الآليات الحكومية للتكيّف مع تلك المتغيّرات على المحاصيل الاستراتيجية، يشير مدير الإنتاج النباتي إلى التوجّه لإنتاج أصناف متحملة للجفاف، تكون فترة حياتها أقصر حتى يقلّ تطلبها للمياه، وأن تكون هذه الأصناف ذات إنتاجية عالية، إضافة إلى زيادة المساحات المروية على حساب البعلية لضمان أكبر إنتاج ممكن، والتوجّه لإدخال تقنية الزراعة الحافظة ونشرها والتوسّع بها، كاشفاً عن دراسة لأثر المناخ على مناطق الاستقرار الزراعية المعتمدة بحيث يمكن تعديلها خلال المستقبل القريب.

ضربة قاصمة

ولم تقتصر أضرار التغيّرات المناخية الأخيرة على المحاصيل الاستراتيجية وحسب، بل امتدت لتطال الأشجار المثمرة والخضراوات، ما أدى لتراجع في الإنتاج وارتفاع الأسعار وعزوف الكثير من الفلاحين عن الزراعة أو توجّه جزء منهم لاستبدال المحاصيل التي اعتادوا زراعتها، فموجة الصقيع التي استمرت طيلة شهر آذار تقريباً –على غير العادة- شكّلت “ضربة قاصمة” للأصناف المبكرة من اللوزيات.

وهنا يوضح رئيس قسم البستنة علي الداحوري أن الصقيع تسبّب بتساقط أزهار 45% من اللوزيات “الأصناف المبكرة” من المشمش والدراق والكرز والخوخ في ريف دمشق مثلاً، فرغم أن موجات الصقيع كانت تحدث في بعض السنوات إلا أنها لم يسبق واستمرت لفترة طويلة تقارب الشهر كما حدث هذا العام، إضافة إلى أنها كانت تتميّز بحدوثها ليلاً فقط، فيما استمرت مؤخراً على مدار اليوم.

تضرر 50% من التفاحيات

كما يوضح الداحوري أن الرياح الشديدة وهطول البَرَد في نيسان سبّب تساقط الأزهار وتكسر أغصان التفاحيات، وكانت مناطق القلمون وغوطة دمشق الغربية الأكثر تأثراً بها، وفيما تختلف نسب الضرر بين المناطق إلا أنه يمكن تقديرها بالعموم بنحو 50-60% من الأصناف المبكرة.

ويلفت الداحوري إلى محاولة رصد أي تغيّر مفاجئ قد يحدث لتوجيه تنبيه للمزارعين عبر الوحدات الإرشادية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية المحاصيل من الصقيع، أما على المدى البعيد؛ فيتمّ التوجّه لعدم زراعة الأصناف المبكرة في المناطق المعرّضة للصقيع.