سلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعث

في (منظومة الإرهاب الدولية)

د. عبد اللطيف عمران

يشهد العالم اليوم نزوعاً قويّاً، وفاعلاً، وواسعاً وواعداً أيضاً، لإقصاء منظومة الهيمنة والقطبيّة الأحادية المتمثّلة في غطرسة الولايات المتحدة الأمريكية، غطرسة واستتباع واستبداد حتى بحلفائها الغربيين وغيرهم من الذيول والتابعين والعملاء.

وقد تطوّر هذا النزوع عالمياً وإنسانياً، وسجّل حضوراً في الميادين العسكرية والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة أيضاً، بعد أن اتضح سعي الإدارة الأمريكيّة المستمر لتعزيز بنيان (منظومة الإرهاب الدولية).

فلطالما استثمرت هذه الإدارة في الإرهاب، وهيّأت لهذا الاستثمار كل جديد في عالم اليوم، استثمرت في النظام الدولي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة أوروبا الشرقية، وفي (الليبرالية الجديدة)، وفي (المحافظين الجدد)، وفي (النازية الجديدة)، وفي (المؤرخين الجدد) الصهاينة… إلخ لتعزيز بنيان هذه المنظومة التي تئنّ تحت وطأتها شعوب العالم منذ عقود طويلة أنيناً يجدّده رجال تلك الإدارة ومستشارو أمنها القومي الذين يزرعون استراتيجيات الهيمنة والتفرّد، وضرورة زعزعة استقرار العالم باستمرار، وقد تجدّد ذلك بشكل سافر ومقلق خاصة على يدي مستشارَين كتبا في (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) وفي (صدام الحضارات). هذه الآراء لا تأتي في سياق الانحياز السّياسي أو الحزبيّ، بل أولاً في السياق الثقافي الذي أصّله مفكرون كبار بأفكارهم وبعددهم، منهم على سبيل المثال تزفتيان تودروف البلغاري الأصل والأستاذ في جامعات غربية وأمريكية، في كتابه المهمّ، وكتبه كلها مهمة، ((تأمّلات في الحضارة والديمقراطية والغيريّة)) وفيه يرى، من بعض ما يرى، في هذا السياق: (إن الحضارة هي القدرة على الاعتراف بإنسانيّة الإنسان الآخر عن طريق ربط «وحدة الإنسانيّة» عموماً بتعدد أشكال تجلياتها الثقافية…، فعقيدة الصدام خير دليل على الطريقة التي تتبعها الولايات المتحدة في ادعاء الحرب ضد الإرهاب، والتي تسقط بدورها في منطق البربرية بإقصاء آدمية الفرد، وانتمائه للإنسانية. إن النظام الأمريكي متخم بالعولمة والليبرالية المتطرّفة والإكراه والتحريض) ولتودورف رأي مهم في الشعبوية يختصره (بتملّق الشعب لتهييجه بتقديم حلول سطحية مضلّلة عبر الميديا…) إلخ، مما هو في غاية الأهمية. نعم، هكذا هم المحافظون الجدد الذين قوّضوا النسق الإنساني التقدّمي في فكر مدرسة (ما بعد الحداثة) والتي من أساتذتها تودروف هذا، والأساتذة الفلاسفة الفرنسيون، لا الأنكلو سكسون منهم ليوتار، ودريدا، وبارت وفوكو .. ومؤلفاتهم وسجالاتهم… معروفة ومعرّبة…،  هؤلاء المحافظون بحثوا عن إرساء مدرسة (بعد ما بعد الحداثة)، تماشياً مع (الليبرالية الجديدة)، وليس بعيداً عن (النازية الجديدة) التي عملت على إحياء واسترجاع الإيديولوجيا النازيّة من خلال الترويج للكراهية، ولسيادة العرق الأبيض ولمهاجمة الأقليّات العرقيّة والإثنيّة، والعرب والأفارقة والآسيويين وروسيا وانتشرت في عدة بلدان في أوروبا الغربيّة والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وقد رافق هذا عبث في فلسفة العلم، وفي إنسانيّته، وفي تقديم نوع من (العلوم الزائفة) التي ترسّخ (وهم الحياد العلمي) و(الصلة بين العلم والايديولوجيا) وتربط العلوم الاجتماعية بعلم الأحياء الدقيقة وصولاً إلى مختبرات الحرب البيولوجية والجرثومية… إلخ من الأبحاث التي لمّا تصل ملفاتها البحثيّة إلى هذه المنطقة، باستثناء الكيان الصهيوني. نعم، هناك جديد، غير مُتابَع كما ينبغي، فقد كشفت الحرب (على) سورية قسماً منه، وستكشف الحرب (في) أوكرانيا قسماً آخر، ولا سيما تحوّل مفهوم (الدولة العظمى)، والوهم القادم المحيط بهذا المفهوم.

هذا المفهوم الذي بزغ بعد الحرب العالمية الثانية المستند إلى تفوّق الدولة عسكريّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً وفكريّاً، فكان ينحصر بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ثم انضمّت إليه مجموعة الدول الصناعية السبع بعد تأسيسها عام 1975، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما رافقه، تغيّرت دلالة هذا المفهوم، إذ صار مرتبطاً بسياسة (من ليس معنا فهو ضدنا) وبـ: الدولة العظمى تكون عظمى بتدخّلها في كل النزاعات الدوليّة والإقليميّة – هذا التدخل لا يؤدي إلى أي مواجهة في مجالها الجوي والبحري والبري – هي لا تخوض حرباً على أرضها، وتفرض حروباً إقليمية مستمرة بين (دول الجوار) كاليمن والسعودية، روسيا وأوكرانيا.. إلخ، فصارت الدولة العظمى مرادفاً للنازيّة الجديدة. بهذا المفهوم لم تعد الصين، ولا روسيا دولاً عظمى، وبموجبه يبقى الأمريكي هو السيد، إضافة إلى التابع الأوروبي الغربي، وبقية الأنظمة العميلة، وأتت الحرب على سورية، والحرب في أوكرانيا لتطورا مفهوماً جديداً مغايراً في هذا السياق، مفهوماً رسّخته المقاومة والصمود نهجاً وثقافة. إذاً: أين هي (منظومة الإرهاب الدولية)، وما هذا المصطلح؟  هذا ما طرحه السيد الرئيس بشّار الأسد في زيارته طهران بالأمس، حين جاء في حديث سيادته المختزل تأكيد: (أهمية استمرار التعاون من أجل عدم السماح لأمريكا بإعادة بناء منظومة الإرهاب الدولية التي استخدمتها للإضرار بدول العالم) مشيراً إلى أن الولايات المتحدة هي اليوم أضعف من أي وقت مضى. يضاف إلى هذا قول السيد الخامنئي: حقّقت سورية انتصارات تاريخيّة بفضل ثبات وشجاعة رئيسها وقوة وصمود شعبها وجيشها، كما يُضاف إليه قول الرئيس بوتين أمس: لا مفرّ من مواجهة النازيين الجدد الذين راهنت عليهم واشنطن، وروسيا تعتبر النصر على النازية نصراً للجميع.

نعم إنه نزوع عالمي وإنساني يتسع ويتطوّر ويتقدّم.