دراساتصحيفة البعث

أوكرانيا ومخاطرة فخ الديون الأمريكية

عناية ناصر

على الرغم من أن روسيا تخوض حرباً مع أوكرانيا، إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يأتِ على ذكر أوكرانيا خلال خطابه في احتفالات يوم النصر في موسكو، بل شدّد على مخاوف روسيا الأمنية، وتجنّب التصريحات التي قد تغذي أي تصعيد خطير للوضع.

في المقابل، لم تخفِ إدارة جو بايدن نيّتها في استمرار إشعال نيران الحرب وإطالة أمد الصراع، وحثّ الكونغرس على الموافقة بسرعة على تمرير مشروع حزمة مساعدات إضافية بقيمة 33 مليار دولار لأوكرانيا قبل نفاد التمويل من البنتاغون لإرسال أسلحة من مخزوناته إلى أوكرانيا. وفي الوقت نفسه وقّع الرئيس بايدن قانون “الإعارة والتأجير” والذي من شأنه تسريع عملية إرسال المساعدة العسكرية إلى أوكرانيا.

ومن أجل تسريع تصويت الكونغرس على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وافق بايدن على فصل موازنة خاصة لمحاربة فيروس كورونا عن التمويل المطلوب لأوكرانيا، لكن الأمر المثير للسخرية، أنه مع ارتفاع حالات كوفيد-19 في الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة 100 مليون إصابة بـ كوفيد-19 في الخريف والشتاء القادمين، طالب بايدن في بيان له الكونغرس بنقل مساعدات إلى أوكرانيا أولاً، ثم انتقل بعد ذلك إلى المطالبة بتمرير تمويل إضافي للتصدي لوباء كوفيد-19.

لا تهتمّ الولايات المتحدة بحياة الأمريكيين، ولن تأخذ حياة الأوكرانيين في الحسبان، فقد أعطت إدارة بايدن الأولوية للمساعدة العسكرية لأوكرانيا، لأن واشنطن تخوض حرباً بالوكالة ضد روسيا من خلال تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، إذ تأمل الولايات المتحدة من خلال استخدام الصراع الروسي الأوكراني إضعاف روسيا. وتحقيقاً لهذه الغاية، فإنها تعمل على زيادة شحناتها من الأسلحة والذخيرة والدروع الواقية وغيرها من المعدات إلى أوكرانيا لإطالة أمد الصراع.

لا يقدّم أي شيء في العالم بالمجان، فالمزيد من الأسلحة الأمريكية تتسبّب بمقتل المزيد من الأوكرانيين. والأمر الأسوأ من ذلك، أن قانون “الإعارة والتأجير” للدفاع عن الديمقراطية الأوكرانية لعام 2022، والذي وقعه بايدن كقانون، من شأنه أن يجرّ أوكرانيا إلى فخ الديون، مما سيحولها بسبب الحرب إلى مستعمرة جديدة للولايات المتحدة، حيث يسمح القانون للولايات المتحدة باستخدام برنامج الإعارة والتأجير العسكري لتسريع نقل الأسلحة والمعدات العسكرية والأدوية والمواد الغذائية إلى أوكرانيا، بحيث سيضطر البلد المستفيد إلى الدفع لاحقاً.

وعلّق الخبير العسكري الصيني سونغ تشونغ بينغ على ذلك بالقول: “سيفرض هذا القانون قيداً خطيراً على أوكرانيا، إذ سيتعيّن عليها دفع كلّ من المبلغ الأصلي والفائدة مقابل الأسلحة والمعدات المختلفة التي ستتلقاها من الولايات المتحدة في المستقبل، فالولايات المتحدة رجل أعمال، ولن تقوم بأي عمل سيجلب لها الخسارة”.

تجدرُ الإشارة إلى أن برنامج “الإقراض والتأجير” ليس برنامجاً رخيصاً، ونيّة أمريكا الشريرة من ورائه واضحة، حيث ستدعم أوكرانيا بالقتال حتى آخر قطرة من الدم الأوكراني من خلال توفير ما يُسمّى بالمساعدة العسكرية، ثم تطلب من الأجيال القادمة من الأوكرانيين دفع ثمن كل الذخيرة والمعدات والمواد الغذائية التي ستوفرها الولايات المتحدة.

لقد استخدمت الولايات المتحدة قانون الإعارة والإيجار عام 1941 لمساعدة حلفائها خلال الحرب العالمية الثانية، فبموجب قانون الإعارة والتأجير، تلقت بريطانيا أسلحة من الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. ولم تكتمل المدفوعات حتى عام 2006، أي بعد 61 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، فكيف سيضع قانون الإعارة والتأجير أوكرانيا تحت تأثير الولايات المتحدة في العقود المقبلة.

قال سونغ: “إن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من حرب طويلة الأمد في أوكرانيا. لقد جنى المجمع الصناعي العسكري في البلاد مبلغاً طائلاً من المال من الصراعات، والخاسر الأكبر هو أوكرانيا وشعبها، وأن أوكرانيا ستصبح مجزأة بشكل أكبر، وستنجرّ إلى مستنقع الفقر والتخلف والديون مع استمرار الولايات المتحدة بإرسال المزيد من الأسلحة، وإحباط الجهود المبذولة للتوصل إلى حلّ سلمي. إن الولايات المتحدة مصاص دماء تجني الأموال من الفوضى والحرب، وسوف تُمتصّ دماء الأوكرانيين من قبل الولايات المتحدة، ليس فقط الآن، بل بعد انتهاء الحرب أيضاً”.