مجلة البعث الأسبوعية

الدول الغربية تقع في فخ عقوباتها… النفط الروسي يثبت أنه الأقوى ارتفاع الأسعار العالمية والتضخم يعني مشاكل سياسية للذين يقفون وراء العقوبات

البعث الأسبوعية- علي اليوسف

وقعت الولايات المتحدة والدول الغربية في فخ عقوباتها التي فرضتها على روسيا بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا. وبحسب خطة العقاب التي رسمتها الولايات المتحدة، كان من المفترض أن يتدمر الاقتصاد الروسي فقط، لكن في الواقع خلقت العقوبات مشاكل كبيرة جداً لأولئك الذين فرضوها. ووفقاً لصحيفة “ذا هيل” الأميركية، في البدء تم تشبيه العقوبات الغربية بقيادة الولايات المتحدة، ضد روسيا بـ”أسلحة الدمار الشامل الاقتصادية” التي ستدمر الاقتصاد الروسي في نهاية المطاف، لكن في الواقع أصبحت العقوبات سيفاً ذا حدين، فهي تلحق الأذى بروسيا، ولكنها تفرض أيضاً تكاليف على مرتكبيها.

لقد تسببت العقوبات في رفع أسعار السلع والطاقة العالمية، وبالضرورة فإن ارتفاع الأسعار الدولية- من خلال التضخم- يعني مشاكل سياسية في الداخل لأولئك الذين يقفون وراء العقوبات. وبحسب الصحيفة، على الرغم من عزل روسيا عن الشرايين المالية العالمية، إلا أن الروبل الروسي تعافى بشكل كبير من خلال تدخل الدولة، وفي المقابل أدت العقوبات ضد روسيا بنتائج عكسية على عملات دول أخرى كاليابان، التي باتت تدفع ثمناً لاتباعها قيادة الولايات المتحدة ضد روسيا، فقد انخفض الين الياباني -ثالث أكثر العملات تداولاً في العالم- إلى أدنى مستوى له في 20 عاماً مقابل الدولار الأميركي، حيث أصبح هذا العام يحتل مرتبة أسوأ أداء من بين 41 عملة تم تتبعها.

وفي الوقت نفسه، يهدد التضخم الكبير واضطرابات سلسلة التوريد، أرباح الشركات الغربية، في حين أن ارتفاع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم يجعل الوضع للمستهلكين أسوأ. ومع اقتراب حدوث مشاكل اقتصادية كبيرة، أصبح شهر نيسان الماضي هو أسوأ شهر بالنسبة لـ “وول ستريت” منذ آذار 2020. ووفقاً لتقرير صادر عن مركز أبحاث مسجل في فنلندا، وهو مركز البحث عن الطاقة والهواء النظيف، إذ أن أكبر 18 مستورداً من روسيا، باستثناء الصين، هم من يفرضون العقوبات، حيث شكل الاتحاد الأوروبي وحده 71% من مشتريات الوقود الروسي في هذه الفترة. وبلغ إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز والنفط والفحم من روسيا حوالي 44 مليار يورو في فترة الشهرين الماضيين، مقارنة بنحو 140 مليار يورو لعام 2021 بأكمله.

خريطة المؤيدين والمعارضين

لقد أثبت سلاح النفط الروسي أنه الأقوى حتى الآن في حرب العقوبات الغربية، والحقيقة أن روسيا هي أغنى دولة في العالم عندما يتعلق الأمر بالموارد الطبيعية، بما في ذلك كونها من بين أكبر مصدري العالم للغاز الطبيعي واليورانيوم والنيكل والنفط والفحم والألمنيوم والنحاس والقمح والأسمدة والمعادن الثمينة. على سبيل المثال، شكلت واردات النفط الروسي 4% من إجمالي واردات النفط اليابانية في السنة المالية الماضية التي انتهت في آذار الماضي. وبلغت واردات الغاز الطبيعي من موسكو تسعة بالمئة من إجمالي الواردات اليابانية في حين بلغت واردات الفحم الروسي 11%. وأفاد ممثل شركة “غازبروم” الروسية بأن طلبات المستهلكين الأوروبيين لتوريد الغاز الطبيعي من روسيا عبر أوكرانيا إلى أوروبا صعدت بنسبة 43%. كذلك أشارت الشركة الروسية إلى أن مرافق تخزين الغاز تحت الأرض في أوروبا ممتلئة الآن بالمتوسط 34% أما في بولندا فهي ممتلئة بنسبة 80%.

وعلى صعيد متصل، تمت الإشارة إلى أن ألمانيا أوقفت منذ 2 أيار الجاري الضخ العكسي للغاز الروسي إلى بولندا عبر خط أنابيب “يامال – أوروبا” (مسار لضخ الغاز من روسيا إلى أوروبا).

 

وكانت روسيا تقوم بضخ الغاز الطبيعي إلى بولندا عبر بيلاروس من خلال خط الأنابيب “يامال – أوروبا”، لكن “غازبروم” أوقفت الإمدادات بعد رفض وارسو سداد ثمن الغاز الروسي بالروبل. وعقب ذلك بدأت بولندا بشراء الغاز الروسي من ألمانيا وضخه بشكل عكسي ضمن خط الأنابيب “يامال – أوروبا”. كما قال المتحدث باسم الحكومة المجرية، زولتان كوفاكس، معلقاً على خطط الاتحاد الأوروبي لحظر إمدادات النفط من روسيا، إن المجر ليست مستعدة للتخلي عن أمن الطاقة أبداً، لأن هذه ليست قضية سياسية، بل قضية أمن الطاقة.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن المفوضية الأوروبية، كجزء من الحزمة السادسة الجديدة من العقوبات ضد روسيا، ستقترح حظر جميع واردات النفط الروسي تدريجياً إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الفور رحبت رومانيا بمبادرة إنشاء منصة أوروبية للطاقة للمشتريات المشتركة للغاز من قبل دول الاتحاد الأوروبي. بينما أعربت بعض دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما هنغاريا وسلوفاكيا والتشيك وبلغاريا، عن قلقها بشأن التدابير المقترحة للتخلص التدريجي من النفط من روسيا.

وأكد ألفريد شتيرن، رئيس شركة النفط والغاز النمساوية “أو إم في”، أن أوروبا ليست مستعدة لفرض حظر على إمدادات الغاز من روسيا، وأن وقف الإمدادات ستكون له تداعيات كبيرة على الصناعة والاقتصاد، واعتبر أن وقف الإمدادات ستترتب عليه عواقب واسعة النطاق على الصناعة والاقتصاد. وقال الأمين العام لمنظمة “أوبك” محمد باركيندو في اجتماع اللجنة الفنية المشتركة لـ “أوبك+” إن روسيا تصدر يومياً أكثر من 7 ملايين برميل من النفط والمنتجات النفطية، وشدد على أن العالم ليس لديه طاقة فائضة لتعويض هذه الكميات.

شركات عملاقة تدفع بالروبل الروسي

في المقابل، تستعد شركة إيني الإيطالية العملاقة للطاقة، لفتح حسابات بالروبل في “غازبروم بنك”، مما اعتبره مراقبون مؤشراً هاماً على انقسام الجبهة الأوروبية الموحدة ضد موسكو، وفقاً لوكالة “بلومبيرغ”. على أي حال، فإن الشركة الإيطالية لم تستخدم الآلية الجديدة بعد، ولم تدفع إلا باليورو حتى الآن، والجولة التالية من المدفوعات ليست مستحقة حتى النصف الثاني من شهر  أيار.

وقد قالت شركة الطاقة الألمانية، إن شركة “يونيبر” هي الأخرى، ستحول مدفوعات الغاز الروسي إلى بنك روسي وليس إلى بنك في أوروبا. إضافة إلى ما سبق، قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، نقلاً عن أشخاص على دراية بالاستعدادات، إن مجموعة “أو.إم.في” النمساوية للطاقة، وهي واحدة من أكبر مستوردي الغاز الروسي، تستعد لفتح حسابات بالروبل في “غازبروم بنك” بسويسرا. وردت الحكومة النمساوية بأن شحنات الغاز الطبيعي الروسي إلى البلاد تواصلت دون قيود، ولم يكن هناك ما يشير إلى تغييرها، بينما كانت تسعى جاهدة للعثور على مصادر بديلة.

و قالت الصحيفة، إن مصافي النفط المستقلة في الصين، باتت أكثر نشاطاً في شراء النفط الروسي. وبحسب الصحيفة، تلقت المصفاة الواقعة في مقاطعة شاندونغ، الحصة الحكومية لاستيراد النفط من روسيا من التجار الحكوميين الصينيين. ووفقاً لبيانات مشغلي السفن، فإن مالكي ما لا يقل عن ست ناقلات كبيرة، كل منها قادرة على حمل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط الخام، قد أبرموا اتفاقيات لنقل النفط الروسي إلى الصين والهند ودول أخرى.

الفخ الأمريكي لبوتين

يرى محللون أن الولايات المتحدة لا تريد وقف الحرب في أوكرانيا للأسباب التالية:

 

– فرض عقوبات شديدة على موسكو وعزلها وكبح جماح نموها الاقتصادي.

– استهداف مشاريع الغاز الروسي إلى أوروبا ودفع الأخيرة لاستبدالها بالطاقة الأمريكية.

– استنزاف الروس وإشغالهم بمحيطهم عبر إطالة أمد الأزمة بالاكتفاء بتقديم مساعدات دفاعية.

بمعنى آخر تريد واشنطن إيقاع موسكو في فخ العقوبات لخنقها اقتصادياً ودق إسفين بينها وبين أوروبا -خاصة ألمانيا- التي تزيد تدريجياً من اعتمادها على الغاز الروسي. فالولايات المتحدة تهيمن على معظم صادرات الطاقة في العالم، ولا تريد لأحد أن يزاحمها على هذا العرش، لا سيما إذا كان من ألد خصومها. وترغب الولايات المتحدة في انتقال أوروبا من الغاز الروسي إلى الغاز الأمريكي المسال، كي يتعزز غازها في موقع خريطة الطاقة العالمية الجديدة، وتحصل على حصة سوقية كبيرة في أوروبا.

لذلك كان من أولى إجراءات واشنطن ضد موسكو، كان فرض عقوبات على مشروع خط أنابيب “نورد ستريم2” لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا. وفي الأساس، كان موقف البيت الأبيض بإدارته المتعاقبتين – دونالد ترامب وبايدن- موحداً من مشروع خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا، فكلاهما يرى في المشروع “تهديداً للأمن الأوروبي”. والآن وجدت إدارة بايدن الفرصة مواتية لاستهداف مشروع “نورد ستريم2″، حيث كان وما زال في غاية الأهمية بالنسبة لألمانيا، لأنه يضمن توريد الغاز بأسعار مخفضة نسبياً في ضوء عبء الطاقة الذي يثقل كاهل عالم ما بعد كورونا.

ويرى الخبراء أن الولايات المتحدة باعتبارها من كبار مصدري الطاقة ستستفيد من ارتفاع أسعار النفط والغاز على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، وفي حال معاقبة صادرات روسيا من الطاقة، فمن المتوقع أن تواصل أسعارها في الإرتفاع.

 كبح النمو الاقتصادي الروسي

كما يبدو أن واشنطن تريد أيضاً من خلال فرض العقوبات على روسيا، كبح نموها وصعودها الاقتصادي، لا سيما في مجال الطاقة. وهذا ما صرح به الرئيس الروسي، حيث قال: “ما زلت أعتقد أن الولايات المتحدة ليست قلقة بشأن أمن أوكرانيا، على الرغم من أنهم ربما يفكرون به على الهامش. إن هدفها الرئيسي هو احتواء تطور روسيا ونموها. أوكرانيا هي مجرد أداة للوصول إلى هذا الهدف، ويمكن القيام بذلك بطرق مختلفة، من خلال جرنا إلى بعض النزاعات المسلحة، أو إجبار حلفائها في أوروبا على فرض عقوبات صارمة علينا كما تتحدث الولايات المتحدة اليوم”.

ووفق معطيات شباط 2022، نمت صادرات الغاز الروسي في العام الماضي، بمقدار 2.1 مرة وبلغت 54.2 مليار دولار، مقارنة بالعام 2020، حيث كانت 25.7 مليار دولار فقط. بينما ارتفعت حصة إمدادات الغاز الطبيعي الروسي وحدها خلال 10 سنوات من 40 إلى 55 بالمئة، وإمدادات النفط زادت في نفس الفترة حصة وارداتها من روسيا من 38 بالمئة إلى 48 بالمائة، بحسب صحيفة “دويتشه فيله” الألمانية. ولهذا السبب، صعد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، في تموز 2018، من نبرة هجومه على ألمانيا بشكل غير مسبوق، حين وصفها بأنها “أسيرة لروسيا”، مدعياً أنها تحصل على نسبة 60-70 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة من روسيا.

الأمريكيون مستاؤون من بايدن

مؤخراً، نشرت قناة “فوكس نيوز” الأمريكية تقريراً مصوراً مكرساً للقضايا الاقتصادية داخل الولايات المتحدة، ورد فعل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على الأزمة القائمة. وجاء في التقرير أن القضايا في حلقات الإمدادات وارتفاع الأسعار لا تزال تثير قلقاً لدى جميع الأمريكيين، في حين يواصل بايدن نفسه الإعلان عن النجاحات الاقتصادية لبلاده.

وقد قال من شملهم التقرير: “مع رفوف فارغة يرسل بايدن مليارات الدولارات إلى أوكرانيا لتبييض الأموال. لقد فقد النظام الاحتياطي الفيدرالي السيطرة، والحقيقة المحزنة هي أننا نتجه إلى التضخم المفرط”.

لقد تحول ضغط العقوبات بالفعل إلى مشاكل اقتصادية للولايات المتحدة ، مما تسبب في زيادة خطيرة في أسعار الوقود والغذاء. ووفقاً لوزارة العمل الأمريكية ازدادت الأسعار في البلاد بحلول نهاية آذار الماضي بنسبة 8.5% على أساس سنوي، وهذا أكبر مؤشر منذ كانون الأول عام 1981.

وأظهر استطلاع أجرته شبكة “سي إن إن” في أواخر نيسان الماضي أن تقييم المواطنين الأمريكيين للاقتصاد الوطني كان عند أدنى مستوى له منذ عقد. وبحسب نتائج الدراسة، فإن غالبية الأمريكيين من الذين شملهم الاستطلاع (66%) يعتقدون أن سياسات بايدن تضر بالاقتصاد الوطني، واعتبر 8 من كل 10 مشاركين أن الإجراءات التي اتخذتها إدارته “غير كافية” لمكافحة ارتفاع التضخم.

كما أظهر استطلاع للرأي العام، قامت به منظومة “إس إس أر إس” بتكليف من قناة “سي إن إن” أن الاقتصاد الأمريكي في أسوأ حالاته منذ عشر سنوات. ووفقاً لمعطيات الدراسة، فقط 23٪ من الأمريكيين يبدون تفاؤلاً بالأوضاع الاقتصادية في البلاد.

ويرى أكثر من نصف الذين تم استطلاع آرائهم (55٪)، أن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، حيث ارتفع عدد غير الراضين عن تصرفات السلطات الأمريكية في هذا المجال بنسبة 10٪ مقارنة بشهر كانون الأول من العام الماضي.