ثقافةصحيفة البعث

أحمد برهو في صالة زوايا

تُعرض حالياً في صالة زوايا للفنون الجميلة أعمال الفنان التشكيلي أحمد برهو القادم من حلب، وقد افتُتح هذا المعرض مساء أول أمس الثلاثاء متضمناً مجموعة كبيرة من اللوحات التي أنجزها الفنان مؤخراً بقياسات متنوعة، وتلتقي في تقنية ومعالجة واحدة، ما خلا بعض اللمسات القليلة من “الكولاج” وهو لصق مادة فوق سطح اللوحة، وقد يكون من القماش نفسه أيضاً.

تتسمُ لوحة أحمد برهو بخصوصية نافرة عن منتج الفنانين الحلبيين عموماً، وقد سألته عما يمكن أن يشبه لوحته بين مجموع الإنتاج التشكيلي في حلب، فكان ردّه: “إن لوحتي تشبهني.. ولا أشبه أحداً إلا نفسي.. ولا أخفي إعجابي بأعمال الفنان الراحل وحيد مغاربة”. بالطبع السؤال لم يكن بريئاً بالنسبة لي، خاصة وأن أكثر من فنان في هذه المدينة يتأثرون بما يقدّمه أحمد برهو ولا يعترفون بذلك وما زالوا مصرّين على اقتفاء هذا الأثر!.

أولى علامات الرسام في محيطه ربما ما يتركه الطفل فيه حين يرسم على الرصيف بأصابع الحوار الأبيض والملون، إن توفر له من بقايا سبورة صف المدرسة، خطوط بيضاء على بلاط رمادي تتقطع أنفاس الخط وتتعرج.. دقيقة وناعمة في مكان وتتابع ذاتها أكثر حضوراً وأعلى صوتاً.. هي روح ترسم شكلها العميق برهافة الفنان المستغرق في ما ترسم أصابع الطباشير، ربما هذه اللوحة المرآة التي يكرّرها أحمد ببساطة دون تكليف في اللون أو استعراض لفيزياء سطحية، بل يذهب نحو الألوان الأكثر حيادية ليوحدها في جملة من التعبير العميق وبحرفية الصوفي العارف في أي مقام سينكشف أمامه باب الفجر.

في منتصف وأعلى المشهد من هذا المسرح التشكيلي لا بدّ من ملامح لآدمي أو أكثر، يتشابهون أمامنا في حياديتهم.. هم عنصر من اللوحة لكنهم غير مؤثرين إلا بمقدار قوة التهشير الذي أحدث وجودهم.. الفنان لا يرسمهم بحيادية، بل ربما يستفيد من وجوم هؤلاء كي يجعل من المسرح أوسع من ستارة أو زمن يحدّده مكان ما، هذا التعدّد والتعدي في الحدود والقطوع جعل من اللوحة باذخة في التأليف وبسيطة من حيث صياغتها التقنية، فلا تكليف أو استغراق في استجداء رائيها، بل لوحة تأخذك إلى أكثر من معنى، تتردّد بما يشبهها في خلدك.. ربما هو الفن يكون آسراً بفتنته، ويبعث ما يخفّف من وزننا النوعي فوق هذا الركام من الذكريات.

أكسم طلاع