تحقيقاتصحيفة البعث

المركز الثقافي في السجن المركزي بالسويداء خطوة نحو التأهيل والإصلاح

في خطوة متقدمة لجعل السجون مؤسّسات اجتماعية وإصلاحية وتأهيلية، تساهم كغيرها من المؤسّسات في إعادة تربية الأفراد المنحرفين والخارجين عن نظمه المتعارف عليها، وبهدف رفع مستوى نزلاء السجن من النواحي الفكرية والتعليمية والثقافية وتحويل السجون إلى مؤسّسات إصلاحية وتأهيلية تتابع المؤسسات الثقافية في محافظة السويداء فتح نوافذ ثقافية لها في السجن المركزي مدعمة بأنشطة ثقافية كان آخرها افتتاح مركز ثقافي.

افتتاح المركز والذي جاء بالتعاون بين وزارتي الداخلية والثقافة يمثل وفق مديرة الثقافة بالسويداء ليلى أبو فخر حالة تحدّ حقيقي لحدود المكان وتحويله باتجاه إيجابي يستند إلى طبيعة مفعمة بالعلم والعمل والتدريب والإنتاج، ليحقق بذلك أهداف الثقافة في نشر الفكر والمعرفة، متجاوزين بذلك حدود المكان والزمان.

وبيّنت أبو فخر أنه سيتمّ التركيز على النشاطات الثقافية بمختلف أشكالها كالرسم والمسرح والمعارض الفنية لتحقيق النتائج الأساسية، وهي تأهيل وإصلاح كافة النزلاء بغية إعادتهم إلى المجتمع بشكل معافى نفسياً واجتماعياً وفكرياً.

وأعطى الفيلم الذي تمّ عرضه خلال حفل الافتتاح صورة عن واقع السجن كمؤسسة تأهيلية وإصلاحية، وما يضمه من مرافق متنوعة خدمية وصحية وتعليمية وتثقيفية ورياضية وورشات تدريبية وإنتاجية مختلفة مجهزة بما يلزمها. وهنا يقول رئيس فرع سجن السويداء المركزي العميد زين العابدين محمد إن الثقافة ركن أساسي في مسيرة التنمية الشاملة وتعزيز مقومات الهوية الوطنية لتبقى على الدوام حصينة صامدة وحية متجدّدة، ومن هذا المنطلق تمّ توقيع اتفاقية لإحداث مراكز ثقافية في السجون لتكون منارة تساعد على تأهيل النزلاء وتحسين سلوكياتهم من خلال تنفيذ خطة ثقافية تحاكي عقولهم من محاضرات توعوية وإرشادية وترفيهية، مبيناً أن افتتاح المركز يشكل ‏قفزة نوعية لتشجيع النزلاء للاستمرار في تلقي التعليم ونيل الشهادات.

إعادة التثقيف

وتمّ خلال الحفل الذي حضرته فعاليات رسمية وثقافية وفكرية وممثلون عن جمعيات أهلية ذات صلة ونزلاء السجن، تقديم عرض مسرحي بعنوان (إنتو الأمل) لفرقة فرع جمعية تنظيم الأسرة السورية بالسويداء، وحمل رسائل توعوية من خلال طرحه موضوع عمل الأطفال واستغلالهم من قبل البعض لترويج مواد ممنوعة وخطرة وأهمية التوعية وتقديم الرعاية السليمة لهم.

وكان النزلاء على موعد مع فقرة فنية غنائية متنوعة أحيتها فرقة الميامين لفرع الهلال الأحمر العربي السوري بالسويداء، وتضمنت باقة من الأغاني الطربية والتراثية من مختلف المحافظات السورية بما يعكس تنوعها وجماليتها، إضافة إلى مجموعة من الأغاني اللبنانية القديمة.

تلك الفعاليات وجد فيها نزلاء السجن مبادرة مهمة في إعادة ‏تثقيفهم وتوعيتهم ليكونوا فاعلين في المجتمع، معبّرين عن تقديرهم للجهود التي تبذلها الجهات الحكومية ‏لتأمين كل احتياجاتهم وتوفير مختلف الخدمات وإكسابهم مهارات جديدة عبر ‏الورشات الفنية واليدوية التي يعملون بها خلال قضائهم فترة حكمهم في السجن.

طابع خاص

خصوصية المكان تفرض على النشاطات التي ستقدّمها المؤسسات الثقافية طابعاً خاصاً، عبر وضع خطط ثقافية تحاكي عقول النزلاء من محاضرات توعوية وإرشادية وترفيهية، حيث جرى خلال الشهر الماضي في السياق ذاته افتتاح مكتبة لاتحاد الكتّاب العرب في مدرسة السجن المركزي كإحدى ثمار مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة الداخلية واتحاد الكتّاب بشكل يتيح لكل نزيل الحصول على زاد معرفي هو بأمسّ الحاجة له، مع استعداد الاتحاد لنشر إسهامات النزلاء الأدبية في مجلاته ودورياته. وهذا يتلاقى مع النشاطات المختلفة التي سينفذها المركز الثقافي ويتكامل معها عبر العروض السينمائية والمسرحيات والموسيقية والنشاطات الموازية كدورات الخط العربي واللغات والموسيقا والحلاقة والمهن التراثية.

مؤسسات تأهيل

وحول أهمية هذا الحالة وأبعادها النفسية والاجتماعية على النزلاء، يقول الباحث في شؤون السجناء وعضو جمعية رعاية السجناء أكرم رافع إن فكرة السجون جاءت كعقوبة مقيدة للحرية بعدما تنبّه الفلاسفة إلى قيمة الإنسان وكرامته، ولما كان سعي المجتمع أي مجتمع كان لأن يجعل هذه المؤسسات العقابية أو الإصلاحية بمثابة مؤسسات اجتماعية، تساهم كغيرها من المؤسسات في إعادة تربية الأفراد المنحرفين والخارجين عن نظمه المتعارف عليها، وتأهيلهم اجتماعياً وتربوياً ومهنياً، والتكفل بهم صحياً ونفسياً، كان على المجتمع توفير الآليات الكفيلة بإنجاح هذا الدور حتى وصلت السجون إلى ما هي عليه من تطور في أساليب المعاملة نحو الأخذ بفكرة التأهيل والإصلاح بدل التشديد والعقاب، ومراعاة ظروف الجاني والعوامل المحيطة به.

لتصبح السجون مؤسّسات تأهيل وإصلاح لإعادة تربية المعاقبين حتى يكتشفوا أخطاءهم، ويعودوا إلى جادة الحق والصواب، ولأن الثقافة ركن أساسي في مسيرة التنمية الشاملة وتعزيز مقومات الهوية الوطنية وبناء صرح الحداثة، لتظل الثقافة على الدوام حية متجددة، فمن هذا المنطلق تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي الداخلية والثقافة لإحداث مراكز ثقافية في السجون السورية لتصبح الغاية من العقوبة إصلاح وتأهيل للسجين، كي يخرج من السجن صالحاً في المجتمع، لذا يجب أن يُنظر للسجين على أنه إنسان ارتكب خطأ بحق المجتمع، وعلى المجتمع نفسه أن يقوم بمساعدته من خلال توفير الرعاية الاجتماعية الكاملة له ليعود إنساناً صالحاً وفاعلاً في المجتمع، ليكون المركز الثقافي الذي تمّ افتتاحه في السجن المركزي بالسويداء المتنفس الجمالي والأخلاقي والفضاء للنزلاء الموهوبين والمبدعين في كلّ المجالات، لتنمية المواهب والإبداعات التي يمكن أن تكتشف من خلال ما تقدّمه من نشاطات أدبية، فكرية، فنية توظف في خدمة المجتمع والإنسانية.

رفعت الديك