دراساتصحيفة البعث

الحرب في أوكرانيا تكشف عجز الجيش الفرنسي

هيفاء علي

بحسب بيير دوفال، وهو آخر قنصل لفرنسا في الجزائر، فقد أدّى الصراع في أوكرانيا إلى كشف النقاب عن عجز الجيش الفرنسي في مواجهة حدة هذا الصراع، وهو الذي يعدّ من الناحية النظرية، أكبر مجمع عسكري في أوروبا ورأس الحربة لأسطول قاري افتراضي. ولكن الحقيقة هي أن فرنسا تفتقر إلى الطائرات والسفن والدبابات والمدافع، وقبل كل شيء إلى الذخيرة، ولا يمكنها الصمود في صراع طويل الأمد. وهي حقيقة لا لبس ولا جدال فيها، وهي تنبثق من تقرير لجنة برلمانية خاصة شكلها إيمانويل ماكرون في اليوم التالي لبدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا.

ووفقاً للوثيقة -التي كتبها نواب وأعضاء مجلس الشيوخ من جميع مناحي الحياة وأكثر من خمسين جلسة استماع لكبار الضباط والخبراء في الشؤون العسكرية والجغرافيا السياسية- فإن المشكلة واضحة وتكمن في الترسانات الفرنسية الفارغة، كما اتضح أن السبعة مليارات المخصّصة غير كافية. وها هو السيناتور كريستيان كامبون، رئيس مجلس النواب للجنة الشؤون الخارجية والدفاع، يشاطر دوفال الرأي، ولا يساوره شكّ في ذلك، حيث أشار تحليله لليوم الأول من القتال في أوكرانيا إلى أن الروس، في غضون 24 ساعة فقط استهلكوا من الذخيرة القدر نفسه الذي استخدمه الجيش الفرنسي في عام كامل. وعليه، في حالة وقوع مواجهة “حقيقية”، سيجد الجيش نفسه بلا ذخيرة خلال ثلاثة إلى أربعة أيام. مضيفاً أن فرنسا لم تعد قادرة على تحمّل صراع طويل الأمد، معرباً عن قلقه بشأن انخفاض مخزونات الجيش الفرنسي في حالة حدوث صراع شديد الكثافة، وطالب الحكومة بالمضي قدماً لتعزيز ميزانية الحرب لزيادة مخزون الذخيرة.

وبالنسبة لهذا السياسي، فمن الضرورة بمكان تقاسم المسؤولية بين الحكومات المختلفة، اليمين واليسار، التي تولّت زمام القيادة في فرنسا منذ عام 1990، حيث أساءت هذه الحكومات المختلفة ببساطة إدارة الدفاع عن فرنسا خلال هذه السنوات. إذ يؤثر نقص المعدات على جميع الخدمات الدفاعية بشكل أفقي، فالدبابات لديها أقل من نصف الذخيرة القياسية في المخزون، والأمر نفسه ينسحب على السفن.

في عام 2019، كان على الأدميرال كريستوف برازوك، رئيس أركان البحرية الفرنسية، أن يأمر بتخفيض كبير في التدريبات في البحر، وأشار خلال تقرير لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة في تشرين الأول عام 2018، إلى أن الفرقاطات الفرنسية لم تطلق سوى صاروخ واحد فقط كل عامين. وما يثير القلق بالقدر نفسه مستوى تدريب أجهزة إنفاذ القانون، فنتيجة ندرة الذخيرة، اضطر رجال الدرك والشرطة لتقليص وجودهم في ميادين الرماية إلى الحدّ الأدنى للتدريب.

وعلى الرغم من تهديد الإرهاب المحلي وعدم الاستقرار المتزايد في الضواحي أو الجريمة السائدة، فقد فشل أكثر من نصف المشغلين في الوفاء بالموعد النهائي الذي حدّدته اللوائح، أي ثلاثة اختبارات في السنة. فلم يعد رجال الشرطة يطلقون النار من أجل التدريب بسبب نقص الخراطيش. ومنذ نهاية التسعينيات، وتحت زخم حكومة ليونيل جوسبان الاشتراكية، تقلّصت صناعة الدفاع الفرنسية، التي كانت آنذاك مزدهرة، بشكل تدريجي. ومنذ ذلك الحين، أغلق معظم الموردين التاريخيين للمديرية العامة للأسلحة أبوابهم أو استولت عليهم شركات أجنبية. وكمثال على ذلك، هناك شركة “ما نورين”، هي شركة ألزاسية متخصّصة في إنتاج الذخائر والأسلحة الصغيرة لأكثر من قرن بامتياز فرنسي. ولكن بالنسبة إلى ليونيل جوسبان، رئيس الوزراء آنذاك، وخلفائه، كانت أعمال “مانورين” باهظة الثمن، ما تسبّب في انقطاع تام لمواردها. حينها قرّر الإليزيه والحكومات المختلفة شراء الذخيرة الصغيرة اللازمة من الخارج، وإغلاق جميع العلاقات مع شركة مانورين، لأسباب تتعلق بالميزانية.

وبحسب السياسي الفرنسي، بسبب الوضع الحالي في العالم، هناك حاجة ماسة لخطة جذرية لتحديث القوات المسلحة الفرنسية المهملة كثيراً، فبالنسبة لأعضاء مجلس الشيوخ والنواب الباريسيين، لم يعد الوقت مخصّصاً لخفض الميزانية أو التوفير، بل هناك حاجة للجنود والأسلحة والذخيرة. ومن وجهة نظرهم أيضاً، من الملحّ الاستثمار بشكل مكثف في البحرية والجيش والقوات الجوية، ثم استثمار المزيد من الأموال في التقنيات الجديدة، مثل الطائرات من دون طيار، والروبوتات، والفضاء، والأمن السيبراني.