دراساتصحيفة البعث

التنمر أداة واشنطن المفضلة

عائدة أسعد 

عندما وجدت الولايات المتحدة زوارق حربية أوروبية تحاصر ميناء فنزويلا، في العام 1902، لم يعد بإمكانها البقاء مكتوفة الأيدي، فقرّرت ممارسة دور الشرطة الدولية في نصف الكرة الغربي، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومنذ ذلك الحين أصبحت تراقب العالم بأسره.

بعدها، لجأت الولايات المتحدة إلى أسلوب الإكراه بفرض العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية على الدول التي تعارض قبول هيمنتها، مثل كوبا وإيران وسورية وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وفنزويلا، ومؤخراً روسيا، واستخدمت الصواريخ والطائرات بدون طيار ومشاة البحرية كأدوات قسر متنوعة، بهدف إحداث تغيير كبير في النظام السياسي لتلك البلدان، والقضاء على طموحاتها الاستراتيجية والدبلوماسية والاقتصادية.

في العقود السبعة الماضية، خاضت الولايات المتحدة حروباً كبرى في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان، ونتيجة لعدم الرضا عن نتائج الخيارات العسكرية وثمنها أصبحت العقوبات أداة الإكراه المفضّلة لواشنطن، فخلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ما معدله 500 كيان كلّ عام، وتضاعف هذا الرقم خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، واليوم ورث الرئيس الحالي جو بايدن هذه الدبلوماسية القسرية بأمانة، وفرض عقوبات على ميانمار ونيكاراغوا وروسيا خلال الأشهر الأولى له في منصبه!.

وقد بلغت عقوبات الولايات المتحدة التي فرضتها على روسيا  أكثر من 800 عقوبة بعد شهرين من الحرب الأوكرانية، ما يعني أن العقوبات أصبحت خيار واشنطن المفضّل رسمياً بصرف النظر عن الأعمال العسكرية.

لقد باتت نتائج التنمّر والإكراه الذي تستخدمه واشنطن لترسيخ الإمبراطورية الأمريكية موضوع نقاش، والناس العاديون يشعرون بالآثار الضارة التي استهدفتها الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال كلّف الحظر الأمريكي لكوبا ما يقرب من 130 مليار دولار، أي نحو مرة ونصف ضعف الناتج المحلي الإجمالي السنوي لكوبا من القيمة الاقتصادية على مدى العقود الستة الماضية.

وأضحى السياسيون في واشنطن من إدارة ترامب إلى إدارة بايدن يستخدمون مصطلح الإكراه لوصف الدول التي لا يحبونها، وأصبح هذا المصطلح مناسباً للدعاية الأمريكية، وحشد الدعم لسياسة الولايات المتحدة العدائية. ففي عام 2018 استدعت الولايات المتحدة كبار دبلوماسييها من جمهورية الدومينيكان والسلفادور وبنما، وهدّدت بتقليص علاقاتها الدبلوماسية مع تلك البلدان، بسبب قرار تلك الدول إقامة علاقات دبلوماسية مع بكين. ومع ذلك كانت واشنطن يائسة للغاية من تغيير سلوك دول أمريكا الوسطى الثلاث لدرجة أنها أصدرت تهديداً بقطع المساعدة عنها، والحدّ من مساعدات التنمية رداً على قرار سيادي.

إن الولايات المتحدة ما زالت تطبّق القوانين التعسفية والتنمّر كأدوات لترسيخ الإمبراطورية الأمريكية، والدليل على ذلك أنه في كل عام منذ عام 1992 تصوّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على قرار يطالب الولايات المتحدة برفع الحظر غير القانوني المفروض على كوبا، وحتى الوقت الحالي لم يُرفع الحظر بالكامل.