دراساتصحيفة البعث

السلام لا يلوح في الأفق الليبي

هيفاء علي

شهدت الساحة الليبية عودة الاشتباكات بين الميليشيات المسلّحة في مدينة الزاوية غربي البلاد، عقب محاولة دخول حكومة فتحي باشاغا إلى طرابلس مؤخراً. إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل بعدما أقدم أفراد من جهاز ما يُسمّى “دعم الاستقرار”، التابع لحكومة عبد الحميد الدبيبة، على إغلاق الشوارع المجاورة لمقرّ القوة الثامنة المعروفة باسم “النواصي” تمهيداً لطردها بسبب مساعدة الحكومة الجديدة على دخول طرابلس.

وبحسب مراقبين، فقد فشل باشاغا في محاولته الأخيرة بتحقيق أهدافه نتيجة أسباب عديدة منها ضعف قراءته للمشهد الداخلي، حيث أثبت ضعفه وعدم قدرته على إدارة البلاد. وهذه ليست المحاولة الأولى والوحيدة لدخول العاصمة والسيطرة على المقرات المركزية الحكومية الأولى، فقد سبق وأن قام بمحاولات أخرى جميعها باءت بالفشل.

هذا وتوجد في ليبيا اليوم حكومتان، حكومة باشاغا التي تمّ منحها الثقة في مطلع آذار الماضي، وحكومة الوحدة الوطنية التي يقودها الدبيبة، والتي تواصل عملها حتى الآن. وبرأي المحللين، يؤكد هذا الأمر أن باشاغا لم يستطع كسب تأييد القوى العسكرية الرئيسية في طرابلس والمنطقة الغربية ككل نتيجة رفضها تحالفه مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ويُثبت سوء التقدير الذي وقع فيه باشاغا وضعف قراءته للمشهد الداخلي، فهو في موقف ضعف ولم يستطع حشد الدعم الكافي له، سواء الدعم الداخلي أم الخارجي.

وفي ظل فشل باشاغا بدخول العاصمة، فمن المرتقب أن تعلن العديد من الفصائل المسلحة ولاءها التام للدبيبة، ما يعني أن فرص باشاغا بدخول العاصمة وقيادة الحكومة منها باتت ضئيلة. بالمقابل أشار باشاغا إلى أنه سيعمل من سرت إلى حين دخوله العاصمة. ومن المرتقب أن تشهد الأيام القادمة جملة من الإقالات والإعفاءات في صفوف مسؤولين عسكريين ومدنيين موالين لـ باشاغا، وخاصة في طرابلس، فالدبيبة كان ينتظر هذه الفرصة لبسط المزيد من سيطرته وإبعاد كل المناوئين له والمناصرين لخصمه. كما من المتوقع أن يعمل في الفترة المقبلة على إخراج الجماعات المسلحة الداعمة لـ باشاغا من المناطق الحساسة في وسط طرابلس أو احتوائها مجدداً عبر تقديم امتيازات جديدة لها أو إبعاد قادتها عن المشهد العام، لبسط سيطرته بشكل أكبر على البلاد.

كلّ هذه الفوضى تخبرنا بحالة الركود السياسي التي آلت إليها البلاد بعد أكثر من عشرة أعوام على الغزو الغربي لها، فهناك مرة أخرى رئيسا وزراء متنافسان، والانتخابات التي تمّ تأجيلها غير مرة، من المزمع أن تجري في شهر حزيران القادم، وفق ما اقترحت الأمم المتحدة. ولكن بحسب المراقبين، يبدو من غير الواضح ما إذا كانت ستجري هذه الانتخابات أصلاً، حيث اتضح مدى تعقيد عملية توافق القوى السياسية في 10 شباط الماضي عندما انتخب البرلمان في طبرق رئيساً ثانياً للوزراء هو وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، ورفض رئيس الوزراء الأول عبد الحميد الدبيبة اتخاذ أي خطوة نحو الاستقالة وأعلنت الحكومة التي يقودها أنها ستواصل العمل رغم انتخاب باشاغا في شرق البلاد.

وبذلك تكون المشكلة الأساسية في البلاد تنافس وتنازع النخب الليبية على السلطة وعدم اكتراثهم بهموم ومطالب الشعب الليبي. والحلّ الوحيد لمقاومة هذا الوضع هو وضع دستور جديد للبلاد تتبناه الدولة المنكوبة، والشرط الأساسي للمشاركة في عملية وضع الدستور هو تحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة، ولهذا السبب تحاول القوى الفاعلة، ومن خلفها الأطراف الداعمة لها، تحديد قوانين الانتخابات بطريقة تجعلهم يحصلون على أفضل الفرص للفوز في محاولة للسيطرة على المناطق الإستراتيجية، وخاصةً حقول النفط، حيث من المرجّح أن يضغط هذا الأمر على التوافق السياسي.