مجلة البعث الأسبوعية

امرأة من شغف وفن

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

الفنانة نضال الأشقر التي حلت ضيفة على ملتقى الإبداع في المعهد العالي للفنون المسرحية منذ أيام امرأة من شغف وفن، فُطرت على عشق المسرح منذ أن لامست خيوط الشمس عينيها ليكون رسالتها في وجه الخراب الذي عم العالم، وشوه معالم الحياة.. وأمام مايجري كان الفن سلاحها وصرختها في التعبير عن الآلام والأوجاع التي تعيشها الإنسانية، هكذا تحدثت سيدة الفن عن مسيرتها الفنية ورؤيتها للفن المسرحي والحياة في التقرير الذي رصدته إحدى شاشاتنا الوطنية حول ذلك اللقاء فكانت مثل نجمة تمزق حجب الليل لتضيء عتمة المكان.. حضرت بكل ما تحمل روحها من عبق الحب والتفاؤل، جلست تتحدث عن المسرح الذي لم تحسب في يوم سني عمرها إلا من خلال ما أعطته من تفكيرها وحياتها، وفي عيون المشاهدين الذين جاؤوا إليها يعيشون تطلعاتهم وآمالهم في أعمالها المسرحية التي توجتها أيقونة تزين خشبة المجد، هذه الخشبة هي مرآتها التي تقرأ فيها تاريخها، هي التي جهدت زمناً أن يبقى للمسرح قيمته وتقريب المسافة بينه وبين الجمهور مؤكدةً أن المسرح هو لكل الناس من كافة الأجيال، لأنه باب الإبداع لكل الوطن، وعبرت عن سعادتها بالأجيال المسرحية السورية التي يخرجها المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق كأهم أكاديمية تعليمية تدرس التمثيل بالشرق الأوسط لتدريب مواهب الشباب واستخراج الأفضل منها، وكل من يعرف سيرة نضال الأشقر، وموقعها من العصر الذهبي للمسرح اللبناني، وأدوارها أيّام «محترف بيروت للمسرح، وكل من شاهدها على الخشبة أو حتّى سمعها تتكلّم في الفضاء العام، يعرف كم هي قريبة من شغفها بالمسرح، فتبنّت عروضاً محلية، واستقبلت عروضاً عربية، وكان مسرحها الخاص مشروعاً لطرح رؤية ثقافية تُعيد إلينا صورة بيروت وعصرها الذهبي الذي أسهمت، هي وأقرانها، في صياغة جزء كبير منه، وكثيراً ما أكدت عدم حبها لتصوير العمل المسرحي، لأن من وجهة نظرها الروح لا تصور وإذا صُورت تصبح من عداد الأموات، وكما أن التصوير لا يعطي المسرح حقه بما أن هناك أكثر من ممثل وعمل وأداء يقام به خلال وقت واحد، لكن لكي نحفظ الأرشيف والأعمال المسرحية نضطر إلى تصويرها.

الممثلة التي تخرجت في الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن، وشاركت في تأسيس المسرح اللبناني (والعربي) الحديث كممثلة ومخرجة وناشطة مسرحية، وحصلت على أوسمة وجوائز عديدة، لم يكن المسرح بالنسبة إليها ممارسة فنية صافية، فهي ابنة المدينة بمعناها الفلسفي والثقافي، وبالتالي علينا جميعاً وانطلاقاً من تجربة هذه الفنانة المخضرمة في الفن والحياة أن نعي أن للتجربة ثمناً والناس لا يتعلمون إلا من تجاربهم، ولكي نحيا كبشر نمتلك أفكارنا وقناعاتنا علينا أن نترجمها على أرض الواقع حقيقة ملموسة، فتجاربنا أياً كانت هي سلاح ذو حدين إذا لم نوظفها في مكانها الصحيح تكون سبب دمارنا ودمار الناس من حولنا، ولكي نعيش تجاربنا علينا أن نتنازل وندفع كثيراً، لنكسب قليلاً، والمشكلة أننا لم نعط لنا أكثر من حياة أو ربما لن نستطيع أن نعرف أو نتذكر أكثر من حياة لنقارن تجاربنا مع تجارب أخرى ربما تتقارب مع تجربتنا، وربما تختلف، وأمام كل ما نعيشه من متناقضات كيف يمكننا أن نتخلص من الموروثات التي علقت بذاكرتنا وبأرواحنا وتقف عائقاً أمام مشاريعنا الثقافية والحياتية.. هل نحتاج لأكثر من حياة؟.