ثقافةصحيفة البعث

المغترب السوري الأوبرالي العالمي نبيل سليمان يشارك الفرقة السمفونية الوطنية

“أشعر معه وكأن السماء تشرع ليّ أبوابها”، هذه المفردات قالتها لوتشيا بصوت مغنية الأوبرا رشا أبو شكر، من أوبرا لوتشيا دي لاميرمور للمؤلف غايتانو دونيزيتتي، الأغنية العاطفية التي تبوح بمشاعر الأنثى العاشقة، على مسرح الأوبرا في الأمسية التي قدّمتها الفرقة السمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، وكانت مختلفة، إذ قدمت مشاهد من أوبرات عدة بإيحاءات تعبيرية، اتخذ بعضها المشهد التمثيلي ضمن تقنيات الغناء الأوبرالي. تمحورت حول صور مختلفة للحب بمشاركة الأوبرالي العالمي المغترب المقيم في بلجيكا نبيل سليمان مع عون معروف ورشا أبو شكر ومجموعة من طلاب المعهد العالي للموسيقا وخريجيه بحضور كبير لمحبي نبيل سليمان، وجمهور الأوبرا الذي تفاعل مع أجواء الأوبرات التي قدّمتها الفرقة السمفونية الوطنية السورية بأمسيات عدة ضمن مشروعها بتقديم الأوبرات.

ولم تكن الموسيقا هي البطل، إذ كانت مرافقة للحوارية الغنائية والمنفردة بأداء تعبيري ضمن تصاعد الأحداث الدرامية الشائقة، التي تناغمت مع الإيقاعيات بشكل خاص والنحاسيات في مواضع الذروة، فشاركت الموسيقا مع الشخصيات المؤدية برسم المشهد الأوبرالي.

الهارب والباصون

البداية مع أغنية لوتشيا ونغمات الهارب الرقيقة بفواصل صغيرة مع الباصون والوتريات الخافتة والسرد الغنائي لرشا أبو شكر، وهي تقصّ الحكاية العاطفية “عندما حلّ الصمت في تلك الليلة، إلى وصف البئر ورؤية الحبيب” وكأنه كان يتكلم، رأيت شفتيه تهمسان، لحظات ساكنة ثم اختفى ليتصاعد الحدث مع النحاسيات وصولاً إلى القفلة القوية بالغناء والموسيقا.

المعبد المقدس

الأوبرا الثانية كانت “صيادو اللالئ” للمؤلف جورج بيزيه، فقُدّم مشهد ثنائي جمع بين زرقة-نبيل سليمان- وعون معروف-نادر- وتبدأ من المكان من المعبد المقدس والآلهة “انظروا ها قد ظهرت الآلهة من بين الظلمات”، ومضت الأحداث بالحوارية والغناء الثنائي لتصف تحول الأصدقاء إلى أعداء، وتدخل الآلهة للتوافق بينهم “نعم لنتقاسم مصيرنا متحدين حتى الموت”.

العشق والانتقام

وقد شغلت الأوبرا الثالثة من مشاهد “أوبرا” ريغوليتتو للمؤلف جوزيبه فيردي القسم الأكبر من الأمسية وتألفت من مشاهد تمثيلية عدة، كان البطل فيها نبيل سليمان الذي أدّى شخصية الأب المجروح مهرج البلاط، وشدّ انتباه الجمهور بأدائه المتغيّر وفق السياق الدرامي، مع عون معروف بشخصية الدوق البطل الشرير، ورشا أبو شكر بشخصية جيلدا الفتاة البريئة العاشقة التي تموت فداء العشق وتدفع الثمن وحدها، وتدور حول البلاط والسلطة وإغواء الدوق للجميلات والإيقاع بهن، ليرى ابنة المهرج فيوهمها بحبه فتقع بغرامه ثم يخطفها، وفي النهاية يتخلى عنها كونه زير نساء فيقرّر الأب الانتقام، لكن الأقدار تقود انتقامه إلى مأساة تبقى رمزاً للعشق المطعون.

وقد تكاملت الأجواء التمثيلية مع رجال الحاشية وهم مجموعة من طلاب وخريجي المعهد العالي للموسيقا، أضافوا جمالية إلى المشهد بالحواريات الجماعية باسم “الكل” وبالعباءات السوداء التي أوحت بشيء من تفاصيل المشهد.

مقدمة موسيقية

افتُتحت الأوبرا بمقدمة موسيقية جميلة جداً تشابكت فيها النحاسيات وآلات النفخ الخشبية وضربات التيمباني وتدرجت حتى السكون، ثم أغنية جيلدا “اسم الحبيب” بصوت رقيق تغلغل مع نغمات الفلوت الرقيقة “هذا الحبيب الذي جعل قلبي ينبض بالحب لأول مرة”، ويأتي المشهد الثاني مشهد ريغوليتتو وحواره الغنائي مع رجال الحاشية “يالريغوليتتو المسكين– رجال الحاشية، الكل: انظروا كم هو قلق” ويطالب المهرج بابنته “نعم هي ابنتي، أنا أريدها أعيدوها إليّ”، ويهدّد بالثأر على وقع النحاسيات، وبغناء حزين يستعطفهم “الرحمة الرحمة ياسادتي الرحمة” والقفلة بالامتداد الصوتي لنبيل سليمان.

الفلوت والغناء

وبعده مشهد جيلدا وريغوليتتو، والحوارية بين الأب وابنته واعترافها له بحبّها للفتى-الدوق- الذي أغواها “عندها امتلأ قلبي بآمال رقيقة” مع نغمات الفلوت، فيضمّ الأب ابنته “سنترك هذا البلاط النتن” ثم يقرر الانتقام “ساعة العقاب تقترب”.

تنتقل الأحداث إلى مشهد الدوق الذي يظهر بين الموسيقيين ويغني بسخرية عن مشاعره المتنقلة بين الجميلات بأغنية “هذه أو تلك” أنا محاط بالجميلات من كل حدب وصوب.

النهاية المفجعة

في المشهد الختامي للأوبرا تشدّ الأنفاس دقات الساعة “منتصف الليل” ثم يدخل رجل- القاتل المأجور الذي طلب منه المهرج قتل الدوق- يحمل كيساً أبيض بداخله جثة، فيفرح المهرج ويتراءى له أنه قتل الدوق وانتقم، “فلتكن أمواج النهر مثواه الأخير”، لكن المأساة تتفجر حينما يفتح الكيس ويرى ابنته في لحظاتها الأخيرة “سأصلي مع أمي من أجلك في السماء”، إذ طلبت من القاتل أن يقتلها وتضحي بنفسها لتنقذ حبيبها الدوق الذي لا يحبها، فينهار الأب “سأبقى وحيداً” وينتهي المشهد بتأثر شديد بأداء نبيل سليمان ورشا أبو شكر على وقع التصاعد اللحني ومتتالية الطبل الكبير والتيمباني.

التحضير لأوبرا كاملة

وفي حديث المغترب نبيل سليمان مع “البعث”، أعرب عن سعادته بالمشاركة الثالثة له مع الفرقة السمفونية للموسيقا العربية وبتفاعل الجمهور الكبير، وتحدث عن خصوصية شخصية ريغوليتتو الدرامية والمختلفة عن مشاركاته السابقة على مسرح الأوبرا الأكثر حماسة، موضحاً أن الأوبرا ليست غناء فقط وإنما تمثيل أيضاً وتتطلب الكثير من المقومات، وتطلب العرض الكثير من العمل مع المايسترو باغبودريان والطلاب، ويتمّ العمل لمحاولة تقديم أوبرا كاملة بكل تفاصيل السينوغرافيا والأزياء في القادم.

ملده شويكاني