مجلة البعث الأسبوعية

“الانقراض” ظاهرة قديمة متجددة تهدد النظام البيئي…والحلول بالقوانين والتوعية

دمشق – حياة عيسى

إن ظاهرة الانقراض هي أحدى المشكلات التي تواجه كوكب الأرض ونظامه البيئي وتهدد التوازن البيئي فيه بسبب استمراريتها منذ بداية الحياة على كوكب الأرض إلى يومنا هذا، واختفاء أنواع كثيرة من الكائنات الحية والحيوانية الأمر الذي قد يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي، لاسيما أن الانقراض بدأ مع بداية الحياة منذ أربعة مليار سنة، ويقدر علماء الحفريات أن هناك ما يقارب خمسة انقراضات كبيرة حدثت منذ بداية الكون، وهي غالباً إما أن تحدد بداية حقبة أو نهاية حقبة من الزمان، ويعد الانقراض من الحوادث الطبيعية التي تحدث عبر الأزمان و العصور، وقد بينت الدراسات أن انقراض الحيوانات “العاشبة” وصل إلى ضعف انقراض الحيوانات “اللاحمة” المفترسة، لاسيما أن في السنوات الأخيرة شهدت تقدم كبير في أحداث الجيولوجيا وفروعها كعلم الباليونتولوجيا الذي يبحث أشكال الحياة في العصور الجيولوجيا السابقة كما تمثلها الحفريات الحيوانية والنباتية.

خطر الانقراض

رئيس قسم الجغرافيا في جامعة دمشق الدكتور ناظم عيسى بين أن ظاهرة انقراض الحيوانات تسبب خطر على كوكب الأرض و على النظام البيئي فيه، وأنه نتيجة الانقراضات الهائلة التي تحدث على مر العصور الطويلة من الممكن أن نفقد أنواعاً جديدة من الحيوانات بالإضافة إلى وجود أنواع كثيرة مهددة بالانقراض، وهذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي ويضر بالدرجة الأولى الإنسان الذي يعتبر أهم مكون من المكونات الحية للبيئة، مع الإشارة إلى أن هناك أكثر من 8300 نوع نباتي و7200 نوع حيواني قد يواجهون خطر الانقراض من كوكب الأرض، كما أن العالم يفقد سنوياً ما بين 50 – 100 ألف نوع من أنواع التنوع الحيوي، وتعتبر أكبر موجة انقراض كانت منذ 250 مليون سنة في نهاية الحقب الجيولوجي الأول الذي يعرف  “بالعصر البرمي”  نتيجة لكارثة يشتبه أنها ناجمة عن النشاط لبركاني، أما ثاني إنقراض جماعي حدث قبل “443” نتيجة البركان الذي ثار حينها، أما الانقراض الجماعي الأخير كان منذ 66 مليون سنة عندما انقرضت الديناصورات وغيرها من أشكال الحياة على الأرض، ويعتقد أن أحداث البراكين وأثر سقوط النيازك على الأرض تسببت في اختفاء ما يصل إلى 75% من جميع الأنواع.

الأسباب

أما بالنسبة لأسباب الانقراض فقد أوضح عيسى أن الكوارث الجيولوجية الطبيعية كالبراكين والزلازل لها دور كبير في موجات الانقراض الجماعي وكذلك النيازك بالإضافة إلى تدمير البيئات الطبيعية كتدمير الغابات لإقامة مناطق سكنية أو تحويلها إلى أراضي زراعية بالتزامن مع تجفيف البحيرات وتدمير الشعب المرجانية التي تعد بيئة لكم هائل من الأنواع الحية، بالتزامن مع انتشار الأمراض الوبائية نتيجة التدخل الإنساني أو التغير المناخي من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على كثير من الأنواع الحية الضعيفة وكذلك استخدام المبيدات الحشرية المفرط، بالتزامن مع استغلال منتجات الأنواع الحية الجائر لتحقيق الأرباح لا سيما أن الإنسان يعتمد بشكل كامل في غذائه على منتجات الكائنات الحية وتكمن المشكلة عندما يتم استغلال الموارد الطبيعة الحية دون الالتفات إلى معدل تجديدها كالصيد الجائر أو الصيد بالطرق غير الشرعية وكذلك الهندسة الوراثية وما ينتج عنها من إنتاج أنواع حية جديدة تمتلك مواصفات مميزة تسهم في انقراض بعض الأنواع وذلك لعدم قدرتها على منافسة الأصناف الجديدة على الغذاء والمسكن، كما يعتبر التلوث أكبر مشكلة تواجهها البيئات الطبيعية حيث يتسبب في انقراض العديد من الأنواع الحية لا سيما في ظل التطور الكبير في المنتجات الصناعية والالكترونية حيث تشير الدراسات إلى أن انقراض الأنواع الحية يتضاعف عاما بعد عام وخاصة الكائنات الدقيقة والحشرات، كما يعتبر التغير المناخي نتيجة الاحتباس الحراري من العوامل التي تؤدي إلى الانقراض.

أشهر الحيوانات المنقرضة

وبالحديث عن أشهر الحيوانات المهددة بالانقراض عالمياً فقد أشار عيسى إن أولى الحيوانات المهددة بالانقراض دب الباندا الذي قادته البشرية إلى حافة الانقراض ومنذ أواخر الثمانيات وضعت الصين المزيد من القوانين لحمايته من الصيد وكذلك (النمر دجلة)  نتيجة المطاردة الدائمة له بهدف الصيد غير المشروع إضافة إلى قطع الأشجار التي قللت بشكل كبير من وجود بيئة مناسبة لبقائه ويشكل الصيد غير المشروع واستخدام أجزاء الجسم في الطب الآسيوي أكبر تهديد للنمور حيث يعتقد إن عظامها وأعضائها لهما قوة علاجية سرية، وكذلك الحوت الأزرق فهناك أقل من 25 ألف حوت أزرق موجودة في جميع محيطات العالم ما عدا القطب الشمالي ويعتقد أن عددها انخفض بنسبة 90% عن طريق صيد الحيتان في القرن العشرين، إضافة إلى الفيل الآسيوي الذي يعيش في 13 دولة ويقدر عددها من 40 إلى 50 ألف حيث يتعذر الوصول إلى بعض المناطق التي تسكنها ويتركز أكثر من 50% من هذه الفيلة في الهند وأماكن أخرى في آسيا ول تزال هذه الأنواع تتعرض للصيد بسبب استخدام عاجها ولحومها وجلودها بالتزامن مع الكثير من الحيوانات المهدد بالانقراض كطيور رافعة الديكة وحيوان قضاعة البحر ونمر الثلج والغوريلا والشيطان التسماني الذي يعيش في جزيرة تسمانيا الاسترالية بالإضافة إلى قرد إنسان الغاب.

كما عرج رئيس قسم الجغرافيا إلى الحيوانات المنقرضة والمهددة بالانقراض في سوريا حيث بين أن التغير الجغرافي انعكس على غنى الحياة البرية فيها، وتعد منطقة البادية السورية والجبال الساحلية بالإضافة إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية من أغنى المناطق السورية بالحيوانات البرية، لكن الصيد الجائر وعدم وجود عدد كاف من المحميات الطبيعية جعل هذه الثروة الحيوانية في تناقص إلى درجة انقراض بعض الأنواع ودخول بعضها الآخر في تصنيف المهدد بالانقراض، كما أسهمت الحرب التي دارت خلال السنوات الأخيرة إلى تناقص أعداد من السلالات الحيوانية منها الماعز الشامي الذي يعد من أفضل خمسة عروق ماعز عالمية منتجة للحليب والتوائم وكان ينتشر قبل عام 2011 في الغوطة الشرقية قرب دمشق، الدب البني السوري لم يشاهده أحد منذ خمسينات القرن الماضي وهو يعيش في الجبال السورية، النمر السوري المسالم الذي يعيش في الجبال الساحلية وكانت غابة الشوح والأرز في منطقة صلنفة في اللاذقية موطناً لأعداد كبيرة من النمور السورية ولم يتم رؤيته منذ أكثر من 30 عام ويعد السبب الرئيس في انقراضه هو الإنسان حيث كان يتم تسميمه لحماية قطعان الماعز من الافتراس، الطير الحر وهو إحدى سلالات الصقور تعرض لعمليات صيد جائرة نظراً لارتفاع سعره وتعد منطقة الرحيبة في ريف دمشق أهم مراكز تجارته على مستوى الوطن العربي، وهناك العديد من الحيوانات المهددة بالانقراض كغزال المها العربي والبالغ عددها 29 رأس والموجود حالياً 22 رأس فقط، غزال الريم والبالغ عددها 31 والموجود حالياً 25 رأس بالإضافة لطيور النعام.

طرق الحماية

وأشار عيسى إلى ضرورة حماية الحيوانات المهددة بالانقراض من خلال وضع قوانين تنظم عملية الصيد على جميع المستويات سواء في البر أو البحر أو الجو، وتوعية البشر بضرورة المحافظة على التوازن البيئي من أجل المحافظة على حياة الإنسان، إضافة إلى الاهتمام بزيادة أعداد الحيوانات ذات الأعداد القليلة والمهددة بالانقراض وذلك من خلال توفير بيئة مناسبة لها وإقامة محميات طبيعية لحمايتها مع توفير الرعاية الصحية لها والقيام بعملية إكثار النسل وحماية الغابات التي تعد مأوى لأعداد كبيرة من الكائنات الحية، بالتزامن مع التوعية عن طريق الإعلام ونشر برامج تشجير والعناية بالبيئة والتوعية بأهمية الغابات التي تشكل رئة كوكب الأرض ومصدر غذاء مهم للإنسان والحيوان.

ويشار إلى أن ظاهرة الانقراض بدأت قبل نشأة الإنسان على كوكب الأرض ولكن هذه الظاهرة تضاعفت نتيجة للنشاطات التي يقوم بها الإنسان من نشاطات صناعية وتجارية وزراعية التي أدت لزيادة تلوث الهواء، مع وجود عمليات الصيد الجائر التي قام بها البشر وقطع الغابات التي تعد مأوى لآلاف الأنواع من الكائنات الحية، بالإضافة لاستغلال البشر الكائنات الحية لغايات الأكل واللبس وكذلك استخدامها في صناعة الأدوية، ومنه نلاحظ أن للإنسان دور سلبي في ظاهرة الانقراض إذ أنه عمل على تفاقم المشكلة وزيادة عدد الأنواع المنقرضة، ولكن يمكن أن يكون للإنسان دور ايجابي عن طريق بناء المحميات والحفاظ على الكائنات من خطر الانقراض وإعادة توطينها.