اقتصادصحيفة البعث

على وقع التضخم المتنامي عالمياً.. ثلاثية تحوط يمكن اعتمادها “داخلياً” ضمن الإمكانيات المتاحة!!

البعث – قسيم دحدل

سننطلق من تساؤلات يقتضيها الموضوع..

أولا: هل نحن في سورية مفصولين ومنفصلين اقتصادياً ونقدياً وتجارياً عما حدث ويحدث من أزمات عالمية؟

ثانياً: ما مدى تأثرنا بما يحدث وبأية نسبة وبأية قطاعات؟

ثالثا: هل هناك فصل بين التضخم الذي تشهده اقتصاديات دول العالم، بما فيها المتقدمة، والتضخم الحاصل عندنا؟ وما مدى أثار وتأثير الأول في الثاني؟ أم أن “لنا تضخمنا ولهم تضخمهم”؟

وليس أخيراً: ماذا نحن فاعلون (كحكومة) للتحوط مما سيواجهنا إذا ما استمر التضخم العالمي؟ وكيف بإمكاننا التخفيف؟ وبماذا؟ مما هو متوقع؟

ما يقوله خبراء الاقتصاد إن الاقتصاد العالمي يتعرض إلى ضغط مزدوج من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بسبب تشديد السياسات النقدية، أي رفع سعر الفائدة، وضغط آخر ناتج من الأزمة الروسية – الأوكرانية، وتداعيات هذين العاملين شكلت صدمتين: الأولى انكماشية نقدية، والأخرى سلعية في مجالي الغذاء والوقود.. صدمتان بطبيعة الحال ستؤثران في معدل النمو الاقتصادي في معظم الدول، بما في ذلك الأسواق الناشئة التي يعتمد عليها العالم في تحقيق النمو.

ويضيف الخبراء بأن حدوث صدمتين نقدية وسلعية في وقت واحد نادر الحدوث، ولم يظهر هذا النموذج إلا عقب ارتباك سلسلة الإمداد العالمية نتيجة أزمة كورنا، وإن اجتماع حالتي التضخم وضعف النمو الاقتصادي ينذر بركود عالمي واسع، وما يتبعه من اضطرابات اجتماعية في الدول الضعيفة اقتصادياً سواء بسبب شح الغذاء أو انهيار العملات.

فتعثر روسيا وأوكرانيا في إمداد العالم بجزء من الغذاء بسبب العقوبات الغربية خاصة، ومخاوف الدول المصدرة للغذاء، يجعلان تقييد التصدير ضمن الإجراءات الاحترازية من مخاوف صعوبة الحصول على المغذيات الزراعية أو ارتفاع تكاليفها، إضافة إلى سياسات كبار المصدرين للاستفادة من ارتفاع أسعار الغذاء، وتعويض الحساب الجاري بسبب تباطؤ النمو العالمي، ومن يقود تلك الآراء، غالباً، هم محافظو البنوك المركزية، بالتعاون مع صناع السياسات المالية والتجارية على حد سواء.

أمام هكذا واقع نسأل: هل بإمكاننا وطنياً، وفي ظل كل التحديات المعلنة والمخفية، أن نحقق نمواً اقتصادياً؟ علماً أن “التضخم المستورد” لا شك سيكون له أثره في سلة المستهلكين الأساسية، وعليه ما هو دور  صناع سياساتنا الاقتصادية للتصدي للتسعير الانتهازي، واستغلال التضخم العالمي داخلياً من المنتجين والمستوردين؟ وماذا عليهم أن يفعلوا أمام امتحان لا ريب أنه صعب، لتخفيف آثار التضخم والتحوط من التضخم العالمي إن صح التعبير؟

المختصون الاقتصاديون يقدمون ثلاثية ما يجب فعله، ولعل إسقاطنا لما يقدمونه محلياً فيه ما يستحق الإنصات إليه، ومحاولة العمل به ضمن الإمكانيات المتاحة والممكنة وفقاً لخصوصية تأثير الأزمات – سواء كانت داخلية أم خارجية – على سورية.

ثلاثية أولها إنتاج الحبوب أو شراء الحبوب، وتخزين القمح والحبوب الأساسية التي يستهلكها السوريون بكثافة كسعرات حرارية يومية، وتوقيع اتفاقيات ضمان لسلسلة إمداد الغذاء، عند الضرورة.

وثانيها، التحوط التجاري للسيطرة على مخاطر ارتفاع أسعار السلع الأولية التي تدخل في عمليات الإنتاج الأساسية، إذ غالباً ما تختلف درجات وعي الشركات العائلية والمصانع بمثل هذه الأساليب، لذا يفضل أن يضع المنظم للقطاع الحكومي مؤشرات يفرض فيها نسباً مئوية تحدد مقدار التحوط  للمدخلات الإنتاجية سواء بالتخزين أو العقود الدولية الآجلة أو التشجيع على تطبيق ما يعرف بـ”الاتفاقيات الشاملة” وهي عقود تحدد أسعاراً مستقبلية ثابتة للمدخلات الإنتاجية وتستخدم لغايات التحوط من تذبذب أسعار السلع.

أما ثالثها فيقتضي التحوط الاقتصادي عبر الاكتفاء الذاتي لسلة المستهلكين الأساسية من خلال استهداف المنتجين الوطنيين بالدعم الاستثماري والتحفيز والرقابة وزيادة المنافسة الداخلية، مثل شركات الدواجن والبيض وشركات سلة الغذاء الأساسية للأسرة.

برأي الخبراء تمكننا تلك الإجراءات من تقلص الأسعار الزاحفة لسلة التضخم الأساسية للمواطنين، كما وتمنع التسعير الانتهازي، وتسهم في تطوير الأسواق الداخلية، لاسيما وأن زيادة الأجور الشاملة أثبتت أن فوائدها محدودة – وحتى معدومة- ويتم استغلالها بالتسعير المفرط من الشركات في زمن قصير، وهي آخر الحلول وليست أولها.

Qassim1965@gmail.com