ثقافةصحيفة البعث

محمود الحداد في لقاء ثانٍ مع طارق سكيكر بأمسية سورية بحتة

“يمر عجباً ويمضي ولا يؤدي السلام” المترافق مع تدرجات الآهات وبمقامات الصوت الطربي الرخيم والحضور الجميل لمحمود الحداد، استقطب جمهور الأوبرا في الأمسية الثانية له على مسرح الدراما في الأوبرا، بمرافقة الكورال وتشكيلة فرقة صغيرة مؤلفة من الوتريات والناي والقانون والبزق مع الدرامز والإيقاعيات المنوعة والغيتار وتوّجت بالبيانو بعزف وقيادة المؤلف الموسيقي طارق سكيكر.

وقد حملت هذه الأمسية التي افتُتحت بـ”يا حنينة” كلمات عمر حلبي وألحان رفيق شكري الطابع المحلي بإحياء التراث السوري مروراً بمراحله الزمنية من القديم إلى الحديث، بعد أن كانت الأمسية الماضية منوّعة من تراث الأقطار العربية، فغنّى الحداد من الموشحات والقدود والفلكلور لكبار الملحنين عمر البطش ورفيق شكري ونجيب السراج وعبد الفتاح سكر ونهاد نجار، واتسمت باعتماد الحداد على الموال وبدور الناي والقانون والبزق بشكل خاص بالفواصل والمرافقة والمقدمة الموسيقية.

ومن الفلكلور بدأ بموال “اعلم يا وليفي كل من عليها فان يابى” بمرافقة صولو القانون “لا تعتني بالطمع” ثم غنى “لا لا ليش الزعل يا خالة” ألحان نجيب السراج.

ألحان صوفية

كان الغناء الصوفي محوراً أساسياً بالأمسية توافق مع جمالية صوت محمود الحداد بالتعطف والمناجاة والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاستحوذ موال يامولاي الذي سبق “يا ساقي القوم” من التراث القديم “واعرف حينما تشقيني الدنى ليس في كربتي إلاه” المترافق مع صولو الناي ومرافقة البزق على إعجاب جمهور الأوبرا، وزاد التأثير البصري لصور المولوية على الشاشة من أبعاد الغناء الصوفي الروحانية، ومع تتالي نغمات البيانو الرقيقة وضربات الدرامز الخفيفة تابع بمفردات الصوفية “مدد مدد” وصولاً إلى “كيف السبيل لرحمة العاشق” إلى القفلة “صلوا جميعاً” مع المتتالية الإيقاعية.

اللون الحلبي والشعبي

وتغيّر النمط اللحني والغنائي مع اللون الحلبي المعاصر كلمات صفوح شغالة وألحان نهاد نجار بغناء “ليش أنا حبك جنون ليش أنا بعدك ماكون” ثم “طول البنية يوم”، إلا أن المنعطف بالأمسية كان باللون الشعبي بكلمات سعيد ذياب وألحان عبد الفتاح سكر والأغنية الشهيرة “يابو ردين” والصولو المطوّل للبزق الذي عزف اللحن الأساسي بمشاركة العازف والمؤلف الموسيقي هوشنك حبش، مع تأثير الإيقاعيات وتصفيق الجمهور الذي تسرّب إلى الإيقاع “وضربني بحجاره” ليعود الحداد إلى القديم بوصلة من فاصل “اسق العطاش –كنت فين يا حلو غايب، وهيمتني عن سواها أشغلتني، ويلاه من نار الهجران” من القدود كلمات أمين الجندي، وقد سُبقت بصولو مطوّل للناي ثم مضت الألحان مع تشكيلة الفرقة والبيانو.

تلتها وصلة أغنيات سورية من مقام الحجاز من القديم، منها “ميلي يا مال الهوى” التي تخللها فاصل الكمان، وبعدها غنّى من القديم “أوف مشعل” الأقرب إلى محمود الحداد، واختُتمت الأمسية بأجواء حماسية وبتأثير الصورة البصرية لملامح من التراث المادي واللا مادي لمدينة دمشق على الشاشة “هي هي ياشام يا ام الضفاير” كلمات عيسى أيوب وألحان سمير حلمي.

التوظيف بالتوزيع

وفي حديث المايسترو والمؤلف الموسيقي وعازف البيانو طارق سكيكر لـ”البعث” أوضح أن التوزيع الموسيقي كان دون أي تغيير باللحن الأساسي لأن الأغنيات معروفة ومحفوظة ومتداولة بين الناس، فعمل على تقديمها بدعمها موسيقياً بشكل منظم ومرتب بما يقترب من التوزيع الأوركسترالي، لأن الفرقة صغيرة وتضمّ عدداً محدداً من الآلات بتشكيلة كلاسيكية وبتوزيع أقرب إلى المعاصر بتوظيف البيانو والغيتار والدرامز.

وعن البرنامج القديم، رأى سكيكر أنه نوع من التحدي، ويأتي ضمن مشروع محمود الحداد بإحياء التراث، وأن مشروعه الثنائي مع محمود الحداد بدأ منذ سنوات عدة خلال عملهما في لبنان ودول أخرى وبعد تقديم برنامج أوتار في التلفزيون السوري.

أما عن تشكيل أوركسترا، فعقب بأنه لا يفكر بأن تكون هذه التشكيلة للفرقة الصغيرة على مسرح الأوبرا نواة لتأسيس أوركسترا، لأن عمله الأساسي التأليف الموسيقي.

غياب الأغنية الآنية

ثم توقفت معه عند سبب غياب الأغنية المعاصرة الآنية التي تترك بصمة في الوقت الذي مازالت فيه أغنيات التراث حاضرة بالأذهان، فعقب بأنه يوجد على الساحة الفنية معاصرون رائعون مثل شهد برمدا وعبود برمدا وناصيف زيتون، وربما يعود السبب إلى الخوف من قبل شعراء الأغنية والملحنين بتقديم تجارب جديدة، أعتقد أننا بحاجة إلى جرأة، وبالتأكيد إلى شركات إنتاج تدعم الأغنية المعاصرة.

التراث السوري

كما تحدث محمود الحداد عن اهتمامه بالتراث الغنائي السوري لأنه جزء من تاريخ سورية، وعن مشروعه بإحياء التراث الذي يأتي ضمن إطار التوثيق الموسيقي الغنائي ونشره للشباب، دون غياب التفكير بأغنيات خاصة له.

ملده شويكاني