مجلة البعث الأسبوعية

رفع نسبة الحوافز الإنتاجية للعاملين في المصارف العامة إلى 10 بالمئة.. يساهم برفع أرباحها والحد من حالات الفساد فيها

البعث الأسبوعية – مادلين جليس

خسرت المصارف العامة كغيرها من القطاعات والمؤسسات الحكومية أغلب كوادرها وخبراتها خاصة الفتية منها بسببالهجرات التي أفقدت سوق العمل السورية الكثير من الأيدي العاملة الحرفية والمهنية والخبيرة والكفوءة.

لعل هجرة الكفاءات كانت الأخطر من حيث ندرتها في السوق المصرفية، ولذلك وبهدف الحفاظ على هذه الكوادر الخبيرة، أصدر السيد الرئيس بشار الأسد القانون رقم 24 لعام 2022 الذي يقضي بجواز رفع سقف نسبة الحوافز الإنتاجية للعاملين في المصارف العامة من 2,5 بالمئة إلى 10 بالمئة، وبذلك أصبح بالإمكان توزيع نسبة تصل إلى 10% من الربح الصافي للمصرف على العاملين فيه.

على اعتبار أن المصرف التجاري هو أكبر المصارف في سورية على المستويين العام والخاص، سنسلط الضوء على انعكاس هذا القانون على هذا المصرف ولاسيما أن الأخير سبق له وأن طبق نظام الحوافز عام 2006، وخرّج العديد من الكوادر الخبيرة

تقليل الفساد

الخبير الاقتصادي الدكتور رازي محي الدين أشاد بأهمية قانون رفع الحوافز الإنتاجية للعاملين في المصارف من 2,5 بالمئة إلى 10 بالمئة، من حيث المحافظة على الكفاءات والخبرات في المصرف التجاري السوري، فأغلب البنوك الخاصة التي أحدثت في سورية أخذت كفاءاتها من موظفي التجاري، لكن العقوبات حدّت من أرباحه وأفقدته كفاءاته، ولذلك فإن رفع الحوافز برأيه يساهم في تطوير ورفع كفاءة الموظفين.

ويعوّل الدكتور محي الدين في تصريح خاص لـ”البعث الأسبوعية” أن يسهم هذا القانون بالحد من السرقات والرشاوى وحالات الفساد في المصارف، فهي في نهاية الأمر -أي السرقات- يتحملها المصرف وتتحول لديون متعثرة لا يستطيع المصرف تحصيلها.

يعزز الانتماء

وقدّم الدكتور محي الدين مثالاً عن مصارف خاصة تخضع للعقوبات كما المصارف العامة إلا أنّ حصتها السوقية لم تنخفض لليوم، وذلك بسبب الرواتب المرتفعة التي تقدمها هذه المصارف لموظفيها، وهذا ما يمكن أن يكون مشجعاً للمصرف التجاري السوري أن يمنح موظفيه رواتباً وحوافزاً أعلى ليحافظ على حصته في السوق، وخاصة أنه المصرف الأكثر انتشاراً في سورية والأكثر مصداقية لدى المواطنين.

وفي حال رفع الأجور وتحسن الخدمات والتمويلات الجيدة وتشجيع الإيداع كل تلك الأمور ستعيد للمصرف مكانته في السوق بحيث ينافس المصارف الخاصة.

وأشار الدكتور محي الدين إلى أمر مهم جداً وهو أن رفع الحوافز يعزز انتماء الموظف للمصرف من حيث أنه يجعله شريكاً في الأرباح، وسيسعى الموظف حتماً لرفع نوعية الخدمات المقدمة من المصرف لأن ذلك سينعكس إيجاباً على الحوافز التي يتقاضاها.

وأكد الخبير المصرفي أن رفع النسبة لتصل لـ 20% سيكون أفضل بكثير لأن هذه النسبة كلما ارتفعت كلما تحسنت خدمات المصرف، وكلما زادت أرباحه الصافية، وعززت مكانته في السوق.

مؤكداً أن أساس نهضة أي أمة هو رأسمالها البشري ففي حال كان هذا الرأسمال منتجاً فهي أمة منتجة والعكس صحيح أيضاً فكلما كان رأسمالها البشري غير منتجاً عدت الأمة غير منتجة، وضرب مثالاً على ذلك ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت لاتملك نفط ولا غاز لكنها نهضت بكوادرها البشرية ومثلها دولة اليابان وعشرات الدول أيضاً.

حوافز قديمة

نظام الحوافز في المصرف التجاري ليس جديداً بل يعود لبداية عام 2006، بحسب ما أكده الخبير المصرفي عامر شهدا، الذي أشار في تصريح خاص لـ”البعث الأسبوعية” أنه العام ذاته الذي دخلت فيه المصارف الخاصة لسورية، وبدأت حينها المنافسة بين التجاري وبينها فكانت الحوافز تخضع لتثقيل علامات، ولكل علامة سعر وكان مجموع العلامات يضرب بالسعر ويمنح الموظف حوافز.

وأشار شهدا الذي شغل منصب مدير فرع في المصرف التجاري السوري في عام 2006 أن الحوافز حينها وصلت إلى 35 ألف ليرة سورية خلال شهر واحد، وهذا برأيه ما يعادل اليوم مليونين وسبعمئة ألف ليرة سورية، مشيراً إلى أن نظام الحوافز حينها كان جيد جداً وأدى لرفع عمل المصرف التجاري ولذلك استطاع السيطرة على 70% من السوق المصرفية  في سورية نتيجة هذه الحوافز التي منحت للعاملين ونتيجة أتمتة العمل فيه، وإدخال نظم كنظام التراسل الذي أدى إلى ضغط كبير بالتكاليف وبالتالي زيادة الأرباح.

صرافات قليلة

كما أكد شهدا أن المرسوم جيد جداً ومهم لكن لاننسى أن موارد التجاري السوري حالياً ليست كبيرة بسبب العقوبات، ففي السابق كانت موارد المصرف التجاري تحول أرباح للخزينة العامة للدولة تساوي 8% من مجموع مواردها، وفي عام 2008 حقق التجاري السوري للخزينة 36 مليار ليرة سورية أرباحاً صافية.

وأضاف الخبير المصرفي: الآن التجاري السوري لا يحقق هذه الأرقام ولاسيما في ظل تراجع خدماته وأكبر دليل على ذلك هو ازدحام المتقاعدين على الصرافات وعدم عمل هذه الصرافات بشكل جيد وبالتالي خروج معظم هذه الصرافات عن الخدمة.

ويذكر شهدا أنه في عام 2007 تم توزيع 500 صراف في سورية تابع للتجاري السوري، أما الآن فلا يتجاوز عدد الصرافات العاملة في التجاري 100 صراف، ولذلك فإن تراجع الخدمات أدى لتراجع الموارد.

غير متناغمة

من الناحية الثانية كانت الأرباح في التجاري تتحقق من فتح اعتمادات مستندية ووجود مراسلين في الخارج، لكن العقوبات على سورية أدت لعدم فتح هذه الاعتمادات وبالتالي حرم التجاري من عمولة هذه الاعتمادات كما عبر شهدا، الذي توقّع أن موظف التجاري السوري لن يحصل على الحوافز التي حصل عليها في عام 2007 أو 2008 وبعدها وبالتالي ففي قياس لحوافز تلك الأعوام مع حوافز عام 2020 سنجدها غير متناغمة نتيجة التضخم وتراجع قدرة الدخل على الاستهلاك.

وأشار شهدا إلى أن أرباح التجاري السوري في الوقت الحالي محصورة في العمولات أو الفوائد المدينة التي يتقاضاها نتيجة الإقراض لا أكثر وبالتالي عمولات وخدمات بسيطة مثل إصدار بطاقة صراف أو حوالة داخلية أو عمولة كشف حساب أو بطاقة ضائعة، فهي بالنهاية عمولات بسيطة جداً لاتشكل أرقاماً كبيرة يُحسد عليها موظف التجاري السوري عند تقاضي الحوافز.

من جانب آخر ذكّر الخبير المصرفي أن عدد العاملين في التجاري السوري في عام 2007 وصل إلى 4500 عامل وكانوا كلهم يستفيدون من الحوافز الإنتاجية أما الآن فعدد الموظفين لا يصل لـ 4500 وأقل حتماً، إضافة إلى أن فروع التجاري السوري ليست كلها قيد الاستثمار وبالأخص في المناطق التي خارج سيطرة الدولة.

هي المسيطرة الآن

ورغم ذلك يؤكد شهدا أن رفع الحوافز أمر جيد جداً رغم تراجع الموارد، متمنياً أن ترتفع الأرباح مع الزمن لأن زيادة الأرباح تؤدي لزيادة الموارد كما تمنى أن يتمكن التجاري السوري من منافسة المصارف الخاصة التي باتت هي المسيطرة على السوق المصرفية معللاً ذلك بامتلاكها رؤية مستقبلية لعملها ونتيجة وجود استراتيجيات وأهداف لديها، وأهم هدف حققته في الوقت الحاضر أنها استثمرت بشكل كبير موضوع الدفع الإلكتروني الأمر الذي ساعدها في الانتشار أكثر أمام تراجع التجاري السوري وتأخره بتقديم مثل هذه الخدمات مما أفقده صفة المصرف الناجح.

وختم شهدا أن من صفات المصرف الناجح سرعته بتقديم الخدمة وهذه الميزة لاتوجد في التجاري السوري استناداً لتجربته الشخصية، حيث أنه يحاول منذ خمسة أشهر استلام بطاقة الصراف الخاصة به، ليكتشف لاحقاً أنهم وضعوا عليها بلوك بسبب القسط السكني، رغم أن القروض أكدت أنه لايوجد عليه أي قرض، ورغم ذلك لغاية تاريخه لم يستلم البطاقة، وأسف شهدا أن يتراجع أداء عمل المصرف التجاري السوري والمؤسف أكثر برأيه تراجع تنافسيته في السنوات الأخيرة لذلك فهو بحاجة لإعادة النظر في استراتيجيته وأهدافه وأعماله فعلى مايبدو أنه بحاجة لمجهود كبير ليعود لتألقه الذي كان يتمتع به في السابق.