دراساتصحيفة البعث

ما قيمة أوروبا المفلسة؟

هيفاء علي

كذب الأوروبيون الكذبة وصدقوها، وبسبب تكرارهم أن اقتصاد روسيا ضعيف انتهى بهم الأمر إلى تصديق أنفسهم. نتيجة لذلك وجدوا أنفسهم في فوضى عارمة واكتشفوا أنهم يعتمدون على روسيا للحصول على الغاز والنفط والمعادن النادرة، والأسمدة والقمح.

أرادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مقاطعة النفط الروسي، ومنع دول الاتحاد الأوروبي من شرائه، لكن هنغاريا رفضت الانصياع لهذه القرار. وسرعان ما أدركت المسؤولة الأوربية أن مثل هذا الإجراء غير واقعي وضار باقتصاديات الدول الأوروبية. لذلك قرّرت، في النهاية، أنه من الأفضل الاستمرار في شراء النفط الروسي كما كان من قبل، مدّعية أن روسيا ستبيع نفطها على أي حال للآخرين وبسعر أكثر فائدة. باختصار إن العقوبة ستتحول إلى مكاسب غير متوقعة لروسيا. تجدر الإشارة إلى أن الدول الأوروبية تعتمد بشكل كبير على واردات الأسمدة من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى القمح، وسوف يتأثر الإنتاج الزراعي بشكل خطير.

وإذا ما أضيف إلى هذه اللائحة ارتفاع أسعار الكربونات، والكهرباء والغاز، فإنه من المتوقع -برأي خبراء الاقتصاد- ارتفاع أسعار المنتجات بشكل خطير ما سيؤدي بالنتيجة إلى تضخم في المنتجات الغذائية.

بناءً على ما تقدّم، يمكن القول إن الخطة المناهضة لروسيا، التي بدأت وتسارعت منذ عام 2014، فشلت فشلاً ذريعاً، حيث اتبعت الدول الأوروبية بشكل أعمى سيدها الأمريكي، معتقدة أنها ستهزم روسيا بطريقة ما، وكان الغرب يؤمن بذلك حتى النهاية، وسلّح أوكرانيا حتى هذه اللحظة لكنه لم يحقق شيئاً، بل تمّ التضحية بها، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها ستفشل في أوكرانيا كما فشلت في أفغانستان، ولكن بحسب المحللين، لديها نوع من جائزة الترضية، والتي تتمثل في ضعف الاتحاد الأوروبي الذي أصبح أكثر اعتماداً على الولايات المتحدة من أي وقت مضى، في حين تتقدم فنلندا والسويد بطلب للحصول على عضوية الناتو، ما جعل المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يفرك يديه لأن صفقات الأسلحة ستتضاعف.

مشروع “طرق الحرير” الصينية الجديدة ماضٍ على قدم وساق، مع التذكير بأن العدو الرئيسي للولايات المتحدة هو الصين، وأن كابوس الولايات المتحدة هو الاتحاد الاقتصادي لأوروبا وآسيا الذي يشكل كتلة أوراسية قوية ومزدهرة.

أوكرانيا هي مستنقع سيشغل الجميع في أوروبا، بينما ستعتني الولايات المتحدة بالصين وستواصل القيام بأعمال تجارية في أماكن أخرى، حيث سيتعيّن على روسيا إدارة الأراضي الأوكرانية المحتلة واستثمار مبالغ ضخمة هناك، ولو في البنية التحتية فقط، لكن ما هي قيمة أوروبا المفلسة؟ وما فائدة أوروبا الراكعة اقتصادياً؟.

لقد حذّر هنري كيسنجر من أن هذه المكاسب قصيرة المدى وهمية، وإجمالاً فشلت الخطة المناهضة لروسيا وتعزّز التحالف بين روسيا والصين، وهو أمر خطير للغاية بالنسبة للهيمنة الأمريكية، وما يحدث لأوروبا نعمة مقنعة، وستكون الأزمة الاقتصادية المقبلة شديدة لدرجة أنها ستؤدي إلى أزمة سياسية. ومن أجل البقاء اقتصادياً، سوف تنفصل بعض الدول بحكم الواقع، وسوف ينهار تماسك الاتحاد الأوروبي، وسيكون من الممكن بعد ذلك استئناف مشروع “طرق الحرير” مع الدول الأوروبية ذات السيادة التي ترغب في ذلك.

لقد أرادت روسيا تطبيق اتفاقيات “مينسك” مع دونباس المتمتّع بالحكم الذاتي داخل أوكرانيا، لكن الولايات المتحدة لم تكن تريد ذلك. وعندما بدأت العملية العسكرية في أوكرانيا، كانت روسيا مستعدة في أي وقت لتوقيع السلام بشرط الحصول على نزع السلاح وحياد أوكرانيا، وكذلك الاعتراف بشبه جزيرة القرم ودونباس، الأمر الذي كان من شأنه أن يسمح على الأقل ببقاء الأوكرانيين، لكن الولايات المتحدة رفضت هذا الأمر، ما أجبر زيلينسكي على مواصلة الحرب، والبقية معروفة للجميع.