دراساتصحيفة البعث

هل تكون فرنسا على موعد مع “مساكنة سياسية”؟

هيفاء علي

من المقرّر أن يتوجّه الفرنسيون في 12 و19 حزيران المقبل إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم في الجمعية الوطنية من خلال التصويت في الانتخابات التشريعية التي تسمح بانتخاب 577 نائباً في الجمعية الوطنية، يصوّتون على القوانين الجديدة. وتنقسم فرنسا إلى 566 دائرة انتخابية، فيما تمّت إضافة 11 دائرة انتخابية جديدة في 2012 تمثيلاً لمليونين ونصف المليون فرنسي يعيشون في الخارج ليبلغ العدد الإجمالي للدوائر 577.

هذا ويقوم النواب بمراقبة أعمال وأداء الحكومة، إذ بإمكانهم مساءلة الوزراء كتابياً أو شفاهياً مرتين في الأسبوع (الثلاثاء والأربعاء) حول المستجدات السياسية والاقتصادية في الدوائر الانتخابية التي فازوا فيها، أو حول مواضيع تتعلّق بالشؤون الداخلية للبلاد، وبإمكانهم أيضاً المطالبة بفتح لجنة تحقيق حول قضية أو ملف ما.

ولكن، بحسب محلّلين فرنسيين، يبدو اليوم أن توزيع الدوائر الانتخابية لم يعد بالضرورة متوافقاً مع الحراكات السكانية. وكان ماكرون قد تعهّد في انتخابات عام 2017 بتقليص نحو ثلث عدد نواب الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ الفرنسيين بهدف اقتصاد المال العام، وانتخاب 20 بالمئة من النواب عن طريق التصويت النسبي، لكن الأزمات المتعدّدة التي مرّت بها فرنسا منذ 2018 حالت دون القيام بذلك.

وقد جرت العادة أن تسعى الأحزاب الكبرى إلى احتلال أكبر قدر من المقاعد في الجمعية الوطنية لكي تؤثر على القوانين. فالفوز مثلاً بـ185 مقعداً يسمح لحزب ما أن يطلب تنظيم استفتاء شعبي، شرط أن تتحصل هذه المبادرة السياسية على 4 ملايين توقيع من قبل الناخبين. أما فيما يخصّ عملية الرجوع إلى المجلس الدستوري لكي يبتّ في شرعية قانون ما أو حكم ما، فهذا يتطلّب من الحزب أن يضمّ 60 نائباً في الجمعية الوطنية. وفي حال وقّع 58 نائباً على اقتراح يقضي بسحب الثقة من الحكومة، يتمّ قبل كل شيء تنظيم نقاش عام ينتهي بالتصويت على هذا الاقتراح.

في السابق شهدت فرنسا ما يُسمّى “المساكنة السياسية” ثلاث مرات خلال الجمهورية الخامسة: أولاً في عهد ميتران مع جاك شيراك من عام 1986 لغاية عام 1988، ثم بين ميتران وإدوار بالادور من عام 1993 إلى عام 1995، وأخيراً بين جاك شيراك ورئيس الحكومة الاشتراكية ليونيل جوسبان من عام 1997 إلى عام 2002.

والمقصود بـ”المساكنة السياسية” هو عدم انتماء رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلى التيار السياسي نفسه، ما يعني أن غالبية نواب الجمعية الوطنية لا ينتمون إلى التيار السياسي الذي ينتمي إليه رئيس البلاد. وفي هذه الحالة، يتعيّن على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن يتعايشا من أجل تسيير شؤون البلاد، وهذا الوضع ينعكس سلباً على رئيس الجمهورية الذي يفقد بعض الصلاحيات المتعلقة بالسياسة الداخلية، ولكن بإمكان رئيس الجمهورية إجبار رئيس الحكومة على الاستقالة شريطة تنظيم انتخابات تشريعية جديدة.