دراساتصحيفة البعث

بحكم تغير موازين القوى.. الدولار عملة راحلة

علي اليوسف

بعد 80 عاماً من الهيمنة، بدأت ملامح فقدان الدولار مكانته كعملة احتياط عالمية تظهر إلى العلن. وعلى مدى عقود كان الدولار بمثابة سلاح اقتصادي، لكن خلال السنوات الماضية، وتحديداً مع بروز الحلف الصيني- الروسي، وتوقيع اتفاقيات للتجارة بينهما بالعملات المحلية، قامت دول عديدة بتنويع استثماراتها بعيداً عن الدولار الأمريكي تحسباً لما هو قادم. وبالفعل مع بدء العملية العسكرية الخاصة الروسية في أكرانيا، ظهر-القادم- أن الحرب ليست عسكرية بامتياز على الأقل من جانب الولايات المتحدة، بل هي اقتصادية بحتة، وأن من أحد أهدافها ضرب التحالف الروسي- الصيني، ومنع صعودهما على الساحة الدولية.

ومنذ أن طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الدول الأوروبية دفع ثمن الغاز بالروبل، سجّلت مؤشرات الأسهم الرئيسية الأمريكية في الربع الأول من عام 2022 أسوأ أداء لها منذ عامين، وارتفعت معدلات التضخم، وتمّ تسريع خطة الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة، وجميعها أدّت إلى خلق سلسلة من التحديات، وربما تستمر حتى الربع الثاني أو ما بعده.

ومع استمرار أزمة أوكرانيا وباقي الأزمات، سواء وقف تصدير القمح والزيوت أو المواد الغذائية وغيرها، تشير معظم المعطيات إلى أن الدولار سيواجه مصيراً كارثياً في المستقبل، وبات الكثير من الخبراء يتحدثون بأن الدولار عملة راحلة بحكم تغيّر موازين القوى، وصعود قوى اقتصادية جديدة كالصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل والأرجنتين. بمعنى آخر إن النظام النقدي الدولي المبنيّ على الدولار، والذي تمّ الاتفاق عليه عام 1944 في “برايتون وودز” عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي عكس قوة الاقتصاد الأمريكي في مواجهة اقتصاديات عالمية مدمرة، بدأ في الانهيار، كما أن نظام “برايتون وودز” نفسه في الطريق إلى الانهيار أيضاً. وإذا وضعنا صعود نظام عالمي جديد بقوى جديدة في طليعتها الصين، واعتماد دول كثيرة على عملة الإيوان الصينية كعملة رسمية لتعاملاتها التجارية الدولية، فهذا يعني أننا أمام مشهد اقتصادى عالمي جديد مختلف تماماً عما تمّ الاتفاق عليه بعد الحرب العالمية الثانية. وما دامت كلّ المؤشرات تدلّ على انهيار الدولار، وصعود عملات أخرى كاحتياطي دولي، ومن بينها عملة الإيوان الصينية، فإن العالم -بلا شك- سيكون في انتظار ميلاد اتفاقيات اقتصادية ونقدية جديدة.

وتوقع ستيفن روتش، كبير الاقتصاديين السابق في مؤسّسة “مورغان ستانلي”، وأحد أبرز خبراء الاقتصاد الأمريكي، انهياراً مرتقباً للدولار، مشيراً إلى أن هذا الانهيار قد يكون خلال نهاية العام الحالي أو مطلع العام المقبل. وقال: “إن النظرة التقليدية لسوق الصرف الأجنبي خلال الأزمات تشير إلى أن الدولار لا يمكن أن يسير إلا في اتجاه صعود واحد، وأن جميع العملات تضعف تقريباً مقابل الدولار أثناء ما يصفها بالبيئة الاقتصادية الصعبة، مع استثناءات نادرة مثل الين الياباني، وأحياناً الفرنك السويسري”. وأشار إلى أن قرب انهيار الدولار بسبب ضعفه، لأنه يستند إلى ميزان المدفوعات والسعر الحقيقي، لافتاً إلى إمكانية حدوث انهيار للدولار الأمريكي في نهاية العام الحالي أو في بداية العام المقبل.

وقد نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية عن مايكل هارتنيت المحلّل الاستراتيجي في بنك أمريكا قوله إن استخدام الدولار كسلاح قد يؤدي إلى تقليل قيمته، كما أن التبدلات في الأنظمة المالية العالمية تقوّض دور الدولار كعملة احتياطية.

وبحسب الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين، فإن الدولار قد ينخفض ​​بنسبة 35% مقابل سلة من العملات، أقل من الحدّ الأدنى المحدّد في عام 2021، مشيرين إلى أن مثل هذا الحدث غير عادي. يضاف إلى ذلك أن الدولار كعملة احتياطية عالمية، سمح للولايات المتحدة بطباعة مبالغ لا حدود لها تقريباً من الدولارات، ولديها عجز كبير في الدفع. صحيح أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال مستقراً نسبياً، لكن ملامح  الأزمة الآن بدأت تغيّر هذا الوضع.

من هنا فإن انخفاض الدولار قد يكون مصحوباً بتعزيز موازٍ لعملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، وخاصة الاتحاد الأوروبي والصين، كما أن شدة المشاعر السياسية المحلية والانقسام في المجتمع الأمريكي التي لم يسبق لهما مثيل منذ الستينيات، والفشل في احتواء وباء فيروس كورونا، والتضخم الكبير، كل هذا يقوض الثقة بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للولايات المتحدة، وبالتالي بالدولار.