رأيصحيفة البعث

ما الذي يفعله هذا الرجل في “أستانا”؟!

أحمد حسن

يعلم الجميع أن “صيغة أستانا”، التي أُنشئت في مرحلة دولية وإقليمية حرجة وحافلة بالمتغيّرات، قامت – بغض النظر عن تباين أهداف وتطلعات أطرافها – على ركيزتين أساسيتين متلازمتين طرداً: أولاهما “قول” أطرافها، كلهم، بأولوية القانون الدولي وسعيهم، كما هو معلن، لإعادة الاحترام له، وثانيهما – وهي نتيجة طبيعية ناجمة عن الأولى وملتصقة بها على ما يفترض المنطق – اتفاقهم على وحدة وسلامة الأراضي السورية والسيادة الكاملة والتامة لحكومتها الشرعية على أراضيها، كما قال النص التأسيسي لـ “الصيغة”، وأكّدته كل البيانات الختامية التي تصدر عن اجتماعاتها المتتالية.

بيد أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق، و”أفعال أحدهم”، وهو “السلطان” العثماني، لا تنطبق إطلاقاً على هذه “الأقوال”، بل إنها عكس ذلك تماماً، فالرجل لا يكاد يغادر، هو أو أيّ من ممثليه، اجتماعاً لها، إلا ويكون أول “فعل” عمليّ له هو “الاستهزاء” بهذه “الصيغة”، وبكل قراراتها، ما لم تتفق مع مخططه الأصلي، والمعلن أيضاً، أي استعادة “الولايات” العثمانية – وبينها سورية – ومعها خلافة المسلمين جميعهم.

إذاً، “الصيغة” بمجملها ليست، بالنسبة إليه، إلا مطيّة لتحقيق أهدافه، ولا يريد منها سوى ذلك، وليس إجرامه المستمر بحق الشعب السوري والتعبئة الرسمية والشعبية والإعلامية التي يقوم بها هذه الأيام من أجل “منطقته الآمنة” إلا تعبيراً بيّناً عن ذلك، وبالتالي تعبير دقيق عن رجل لا يعنيه السلم والأمن في المنطقة وليس لديه أي وازع يمنعه من التضحية بكل “التفاهمات السابقة برعاية دولية والتي تمت على خطوط مناطق خفض التصعيد” في سبيل تحقيق غاياته ومراميه.

والمفارقة هنا أن صانع الإرهاب ومورّده الأكبر إلى سورية، والمنطقة بأسرها، يتذرّع بالإرهاب ويدّعي أن هدفه الوحيد، و”المشروع” هو تطهير هذه “المنطقة” منه باعتبارها خاصرة أمنيّة رخوة لبلاده، لكن الاقتتال الأخير بين “فصائله” في هذه المنطقة تحديداً، أول أمس وقبله – وإن كان متكرّراً ودورياً – على “الموارد” و”المداخيل” و”السطوة” و”الإمارة”، هو دليل صريح على صورة ومستقبل وطبيعة المهام المنوطة بـ “آمنته” هذه.

والحال فإن هذا المراوغ المعروف، وهو يعيد إحياء هذه “الفكرة” التي راودته مطلع الحرب على سورية لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب وقائع إقليمية ودولية محدّدة، يحاول اليوم استغلال الوضع الدولي الراهن والناجم عن حرب أوكرانيا وتقدّم فنلندا والسويد لعضوية الناتو، كي يحققها، مائلاً حيث تميل به المنفعة، فحين وجد مثلاً ممانعة أمريكية لخطته – لمصلحة واشنطن وعملائها لا دمشق طبعاً – أعلن أنه يكتفي، ولو إعلامياً حتى الآن، بـ “منطقتي تل رفعت ومنبج” وبذلك يحاول إحراج موسكو شريكته في “أستانا” ذاتها ومساومتها على موقفه من حربها الكبرى في جوارها الحيوي.

وبالطبع فإن الرجل الذي انخرط بالإرهاب من رأسه حتى أخمص قدميه وتاجر بالقضايا الوطنية والإنسانية كلها ومنها موضوع اللاجئين الذي حوّله إلى موضوع انتخابي داخلي وابتزازي اقتصادي لأوروبا والعالم، لن يقف أمام موانع هنا وهناك ما لم تتم تعريته على أوسع نطاق ممكن، وبالتالي وضع حدّ لتصرفاته وأوهامه المدمّرة للمنطقة بأسرها، وربما كان ذلك مدخل الطرح الجدي لسؤال على مستوى: “ما الذي يفعله هذا الرجل في أستانا؟!”.