مجلة البعث الأسبوعية

الأهل يقدمون امتحانات الشهادتين بدلاً من أبنائهم

البعث الأسبوعية- جُمان بركات

بسبب التوتر والقلق والحب الجارف من الأهالي يبدو للمراقبين لهذه الأيام بأن من يقوم بتقديم الامتحان بكل تفاصيله وطقوسه هم الأب والأم وليس الأولاد، عدا دخول القاعة وكتابة الأجوبة في المدة الامتحانية، لأن الأب والأم يقضون جل الوقت وهم يراجعون المواد الدراسية مع أبنائهم يتابعون الحالة بكل تفاصيلها، ويلهثون لسؤال أساتذة مختصين ويقومون بحل الأسئلة ومن ثم البحث ليل نهار عن أنسب الطرق لتذليل العقبات، ومن ثم يراجعون المواد بنداً بنداً مع أبنائهم، حالة عظيمة من التماهي مع فلذات أكبادهم يغلفونها بالحب والقلق والعصبية، والغاية واحدة أن تنجح الأم والأب في اختبار الامتحان، وطبعاً مع الطالب صاحب العلاقة.

امتحان الحياة

وبدورها قالت الإعلامية سلوى عباس عن تجربة الامتحان مع ابنة أختها: يكرس الأهل كل جهدهم أن يكون أبناؤهم كما يرغبون ليعوضوا من خلالهم ما لم يستطيعوا هم تحقيقه لأنفسهم، فيبدؤون برسم حياتهم ومستقبلهم، بما يتناسب ومكانتهم الاجتماعية، وللأسف جميع الأهالي يتمنون لأبنائهم علامات تؤهلهم لكليات الطب والهندسة، بعيداً عن رغبات أبنائهم وإمكانياتهم، وهذا الحال من ضيق هامش النظر لدى الأهل في نظرتهم لمستقبل أبنائهم مستمر في كل الأزمان، ففي فترة الامتحان التي يستنفر لها الآن الأهل وأولادهم وتتحول البيوت إلى معسكرات مغلقة بعيداً عن كل تفاصيل الحياة إلا ما يتعلق بالكتاب والدراسة، نرى الأهل متوترين ومتخوفين منه أكثر من أولادهم، فيبدو الأمر كما لو أنهم هم الذين يُمتحنون، وربما، لو كان الأمر هكذا لكان أكثر راحة بالنسبة لهم، فنراهم يلاحقونهم بالإرشادات والتوجيهات التي قد تضرهم أكثر مما تنفعهم، ولكن مهما تحدثنا عن تجربة الأهل وأبنائهم في حالة الامتحانات يبقى الأمر مختلفاً عندما نعيشها مع أبنائنا، حيث نعيش نحن التجربة مع صبية لها خصوصية ليس لدى أهلها فقط، بل لدى محيطها كله من أقارب وأصدقاء، الجميع يعوّل عليها بالتفوق والنجاح بعلامات عالية، الأمر الذي أرهقها وجعلها في سباق مع نفسها ومع الوقت لترضي أهلها وأساتذتها الذين اعتادوا عليها متفوقة دائماً، ومن باب الفضول سألتها عن تجربتها الأولى مع امتحان الشهادة الإعدادية فتنهدت تنهيدة عميقة وقالت: من وجهة نظري لا يختلف هذا الامتحان عن امتحانات الصف السابع والثامن، لكن كون الصف التاسع يندرج تحت مسمى “الشهادة الإعدادية” فإن هذا الأمر ولّد حالة من الاستنفار لدى أهلي سرعان ما انتقلت عدواه إليّ، وأصبحت أشعر بتأنيب الضمير بكل لحظة أفكر فيها باستراحة من الدراسة لأجدد نشاطي، حيث نظرات أهلي لي تشعرني بتقصيري وخاصة إذا فكرت بالاطلاع على الموبايل، أقرأ لومهم بنظرات عيونهم، فأعيش حالة من التوتر وأشعر أني مقصّرة ومعلوماتي غير مكتملة، إضافة لرهبة الامتحان التي أعانيها قبل كل مادة حتى لو كنت قد درستها جيداً، وبالنهاية ليس أمامي إلا أن أمتثل للظروف وأسعى قدر استطاعتي أن أكون بمستوى الآمال التي يتطلع إليها أهلي وأساتذتي.

أهل هذه الصبية لم يختلفوا بسلوكهم مع ابنتهم عن باقي الأهالي إذ أحاطوها بحالة من الرعاية والاهتمام وسخروا لها كل وقتهم ظناً منهم أنهم بأسلوبهم هذا يساعدونها على الدراسة، متناسين أن أهم شيء يمكن أن يقدموه لها هو إيمانهم بقدراتها والثقة بإمكانياتها، لأن هذا يشعرها بالرغبة بالعطاء أكثر، فمن الطبيعي أن نؤكد لأبنائنا على أهمية الدراسة ولكن لنطلب منهم أن يؤدوا دورهم فيجدّوا ويجتهدوا دون أن يقلقوا، فليس المراد بالامتحان الذي يكرّم المرء فيه أو يهان، وإنما المراد امتحان الحياة بما فيها من مفترقات بين الخير والشر، ولعل هذا البيت الشعري يعبّر أصدق تعبير عن حالة طلابنا: على المرء أن يسعى بمقدار جهده وليس عليه أن يكون موفقاً.

مركز امتحاني

الحالة الطبيعية وجود حالة من القلق والترقب في أي منزل من البيوت السورية في هذه الأيام بما يتعلق بالامتحانات للشهادتين الإعدادية والثانوية –هذا ماعبر عنه رامز حاج الحسين والد سمية (صف التاسع)- وتابعت: ولكني ألحظ أن الحالة تزيد حين يكون أحد الوالدين مشتغل أساساً في مجال التعليم، وهذا ما يحدث معي في منزلنا حين أن زوجتي حولت المنزل إلى شبه مركز امتحاني كل الطاولات عليها أوراق امتحانية سابقة ودفاتر محاليلي سابقة للسنوات المنصرمة ومراجع وأوراق مسودة، ويبدأ منذ فجر النهار وحتى ساعات متأخرة الصخب الامتحاني والأسئلة والأجوبة وعمل بروفات امتحانية لسبر المعلومات، وعلينا نحن بقية أفراد الأسرة أن نوفر كل مستلزمات الراحة للطالب والمعلم في هذه الحالة، وأن نمارس طقوساً بعينها من حيث إغلاق التلفاز وعدم إحداث أي ضجة أو تشويش يعكر صفو المركز الامتحاني المصغر، وكلما عادت ابنتي من امتحانها وكان التوفيق حليفها كما تخبرني أتوجه بالمباركة لزوجتي على حسن تقديمها للامتحان وأدائها الجيد، وكأنها هي الطالبة.

تحديد مصير

لنتفق أن حالة من الاستنفار تجتاح البيوت والأسر التي يقدم أحد أبنائها على تقديم امتحان، خاصة فيما يتعلق بامتحان الشهادتين التعليم الأساسي والثانوية وبدورها قالت الزميلة أمينة عباس عن هذه التجربة وهي أم لتوءمين: يتم تكريس كل الوقت وكل الجهد ومن قبل جميع أفراد العائلة نحو توفير الأجواء المناسبة للطالب المقدم على الامتحان، ولنعترف أنه وعلى الرغم من حسن نوايانا كأهل في هذا المسعى إلا أن هناك سلبيات قد تظهر لتفسد بعضاً مما نهدف إلى تحقيقه من خلال طالبنا وذلك عندما يتحول هذا الاهتمام إلى عامل توتير لنفسيته الذي قد يجد نفسه منساقاً وراء شكل من أشكال الترهيب النفسي غير المقصود، وإذا أردنا أن نكون موضوعيين في نقاشنا لهذا الجانب الهام من جوانب العملية التربوية والتعليمية علينا أن نوجد الأعذار لنا كأهل عندما نبالغ في الاهتمام وفرض حالة الاستنفار أثناء فترات الامتحانات لأن الموضوع ليس مرتبطاً فقط بنجاح الطالب من عام دراسي إلى عام دراسي آخر بل بتحديد مصير طالبنا الذي عانى ما عاناه في ظروف صعبة عاشها الجميع في فترة الحرب التي امتدت لسنوات وأثرت كثيراً عليه كطالب نتيجة الانقطاعات الكثيرة عن المدرسة وقد اضطر الوالدين إلى القيام بمهمة المدرسة في تدريس أولادها وغالباً ما كانت الأم هي التي تقوم بهذه المهمة التي مازالت تشعر في قرارة نفسها بوجود ثغرة في مسيرة أولادها التعليمية والتي ترغب دوماً بسدها نتيجة ما خلفته سنوات الحرب على سير العملية التعليمية  من خلال المتابعة اللصيقة لأولادها أثناء الامتحانات بالتحديد ولهذا نجد الأمهات وأحيانا الآباء قادرين على التقدم للامتحان بالمنهاج الذي قاما بتدريسه لأولادهم حرصاً على تجاوز هذه المرحلة بسلام في ظل تحديات كثيرة تواجهه أهمها وسائل التواصل الاجتماعي التي يخصص لها معظم وقته رغم كل محاولات الأهل في منعها عنه إضافة إلى الضغوطات التي تمارس على الأهل والتي لها علاقة أيضاً بالمنظومة المجتمعية التي أصبح فيها التفوق والحصول على العلامة الكاملة مدعاة للاستعراض وكذلك المنظومة التربوية التي باتت تحدد بطريقة أو بأخرى  المكان الذي سيكون به هذا الطالب من خلال العلامات التي سيحصل عليها.