مجلة البعث الأسبوعية

“الحج السياسي”… مغامرات واشنطن السياسية والاقتصادية ضد روسيا

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

حولت واشنطن السعودية مؤخراً إلى “وجهة حج سياسية” يتوافد إليها العديد من الدول بشكل مفاجيء، و ذلك للعب بورقة الرياض في مواجهتها مع روسيا، والحفاظ على أي شكل من أشكال النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.

وبطبيعة الحال، كان المتصدر الطبيعي لهذا السباق من الحجاج السياسيين هو الولايات المتحدة نفسها، التي تريد حمل المملكة على زيادة إنتاج النفط حتى تتمكن من فرض المزيد من العقوبات المفروضة على النفط الروسي وسط الصراع في أوكرانيا. ومع ذلك، يمكن القول أن محاولات واشنطن باءت بالفشل حتى الآن، إذ أعلنت السعودية رسمياً دعمها لروسيا كعضو دائم في مجموعة “أوبك + ” المصدرة للنفط.

كان فشل مثل هذه التحركات الأمريكية الاستفزازية المعادية لروسيا واضحاً للكثيرين، خاصة أن الاستبدال الكامل للنفط الروسي يتطلب عملاً مشتركاً من قبل إيران والسعودية والإمارات وفنزويلا التي تتمتع أيضاً بعلاقات جيدة مع موسكو، ولن توافق على الاستفزازات النفطية الأمريكية ضد روسيا.

ومع ذلك، تواصل واشنطن هذه السياسة في علاقاتها مع الرياض، فقد كثف وزير خارجيتها أنتوني بلينكين مكالماته الهاتفية في أواخر آيار الفائت مع وزير الخارجية السعودي لمناقشة- من بين أمور أخرى- “قضية النفط”.

وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، إلتقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، ولي العهد محمد بن سلمان في شهر نيسان الماضي “لإصلاح العلاقات” ومناقشة مطلب البيت الأبيض المتمثل بإقناع السعودية زيادة إنتاج النفط  للممارسة أقصى قدر من الضغط الاقتصادي على روسيا.

كما تحاول الولايات المتحدة، من خلال وسائل إعلامها، استخدام المنشورات المعادية لروسيا وحتى المزيفة للتأثير على إعادة تخصيص حصة نفط “أوبك +” على حساب مصالح موسكو، حيث ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، على سبيل المثال، أن بعض أعضاء “أوبك” يدرسون إمكانية تعليق مشاركة روسيا في اتفاقية النفط الخاصة بمنظمة أوبك، لأن العقوبات الغربية وحظر الاتحاد الأوروبي “يقوضان قدرة موسكو” على إنتاج المزيد من النفط. لكن حقيقة الأمر أن أوبك لم تدرس إمكانية تعلق مشاركة روسيا، بل الولايات المتحدة نفسها هي التي عرضت على السعودية زيادة إمدادات النفط إلى الاتحاد الأوروبي، واستبعاد روسيا من اتفاقية أوبك، مقابل تحرير إمدادات الأسلحة الأمريكية، وهي المقترحات التي لم توافق عليها الرياض حتى الآن.

ولتعزيز العلاقات الأمريكية السعودية والاستمرار في التأثير على الرياض في التحركات المناهضة لروسيا، ذكرت وسائل إعلام كثيرة أن البيت الأبيض سيقوم بجولة شرق أوسطية تشمل السعودية أواخر تموز القادم، أي بعد قمة مجلس التعاون الخليجي.

بالإضافة إلى ذلك، تدفع واشنطن حلفاءها أيضاً إلى “التودد” إلى السعودية، فقد أعربت صراحة، عن أملها بتعزيز علاقات الرياض، ليس فقط مع تركيا التي زار رئيسها السعودية في أواخر نيسان الماضي، ولكن أيضاً مع كافة الدول الغربية من خلالها. كما عملت الولايات المتحدة على استقطاب بريطانيا في انتقاد “تحدي الرياض” لمقترحات واشنطن بتكثيف الأنشطة المعادية لروسيا. ونتيجة لذلك، أطلقت لندن حملة إعلامية زعمت فيها أن  السعودية تمنع تضيق الخناق على روسيا بسبب العقوبات. وعلى وجه الخصوص، تعمل صحيفة ” ذا تلغراف” بنشاط على إثارة القضية بمواقف معادية للسعودية بشكل صريح، مؤكدةً أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يمكن أن يستفيدا من مساعدة أوبك في الإجراءات المعادية لروسيا. ويشير المنشور إلى أن السعودية، التي لا تزال صاحبة القرار في هذا الكارتل القديم لمصدري النفط، من المفترض أن تكون حليفاً لبريطانيا.

أعطى البيت الأبيض الدور الأكثر نشاطا في رحلة الحج السياسي إلى المملكة “لكلب الرقابة في الشرق الأوسط، إسرائيل”، فقد وردت أنباء متكررة في الأيام الأخيرة عن محادثات مباشرة وغير مباشرة بين السعودية و”إسرائيل” حول مختلف القضايا.

وفي 30 أيار الفائت، قال وزير خارجية الكيان الإسرائيلي يائير لابيد: “إن بلاده بصدد تطبيع العلاقات مع السعودية، إلى جانب الولايات المتحدة ودول الخليج”. وبحسب صحيفة “هيوم” الإسرائيلية، قام العديد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم وزير دفاع الكيان بيني غانتس والرئيسين الأخيرين للموساد، بعدة زيارات سرية إلى المملكة مؤخراً. ووفقاً لموقع “ميدل إيست آي”، سعت مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين الأمريكيين في نهاية شهر أيار الماضي، إلى تطوير العلاقات مع السعودية وسط تعميق التعاون مع دول الخليج.

قبل زيارة بايدن الأولى المتوقعة إلى الشرق الأوسط ، كثف الكيان الإسرائيلي بشكل خاص من التقارب مع السعودية. وبدوره، أفاد نير دفوري، مراسل قناة نيوز 12، بأن شخصية بارزة في القدس قد زارت السعودية سراً وأبرمت العديد من اتفاقيات التعاون في الرياض.

في الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام الكيان أن تل أبيب “لا تتوقع تطبيعاً كاملاً للعلاقات مع السعودية في المستقبل القريب، حيث إن المملكة غير مهتمة بإضفاء الطابع الرسمي عليها، ويرجع ذلك أساساً إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أوضحت السعودية أنه لن يكون هناك إقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني في غياب التقدم في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

لقد أكدت نتائج زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى عدد من دول الشرق الأوسط، التي انتهت في 31 أيار الماضي، واتصالاته مع زعماء عدة دول في المنطقة، بما في ذلك السعودية عدم جدوى مثل هذه الخطوات السياسية التي تقوم بها واشنطن وحلفائه للضغط على روسيا.

وقال لافروف: “يتم إنشاء عالم متعدد الأقطاب، ويحاول زملاؤنا الغربيون إعاقة هذه العمليات من خلال محاولة الحفاظ على هيمنتهم وتوسيع نطاقها لتشمل جميع المناطق، لحشد جميع البلدان الأخرى تحت رايتهم، باستخدام الوضع في أوكرانيا وحولها كذريعة”. مضيفاً: “في الواقع يعكس الوضع المشكلات الأساسية التي تراكمت منذ سنوات في أوروبا، ويرجع ذلك أساساً إلى رفض دول الناتو الوفاء بوعودها التي قطعتها على الاتحاد السوفييتي السابق بعدم توسيع الحلف شرقاً”.

كما يتجلى إحجام الرياض عن المشاركة في مغامرات واشنطن السياسية والاقتصادية ضد روسيا أيضاً، في رغبة السعودية في الانضمام إلى مجموعة البريكس، الأمر الذي يُنظر إليه بشكل إيجابي في موسكو وكذلك في بلدان أخرى من هذه الرابطة الدولية التي تحظى باحترام كبير.