مجلة البعث الأسبوعية

قصر العظم في حماة درة فريدة في العمارة الإسلامية

البعث الأسبوعية- معالي الخالد

قصر العظم في حماة من روائع الأبنية الأثرية المقصودة على نهر العاصي ومن أجمل الأوابد العمرانية والتي تعود للعصر العثماني ويقع قصر العظم في قلب مدينة حماة القديمة وفي أحد أعرق أحيائها حيث يتربع في أجمل موقع وأروع مكان، من الناحيتين الأثرية والطبيعية، فقد شيد في بقعة ذات قيمة تاريخية أثرية غنية بالأوابد العمرانية التي تعود إلى فترات زمنية مختلفة ويشرف على نهر العاصي بقبته العالية حيث يجري النهر من تحته وكأنه شارع جميل تشدو عليه النواعير بصوتها العذب وجرسها الرطب. ويرى الناظر من نوافذه ومن فوق سطوحه كثيراً من أوابد حماة الأثرية، كالقلعة الشامخة والجامع النوري، وحمام السلطان فضلاً عن بعض أحياء المدينة وبساتينها وحدائقها العامة.

وعن تاريخ القصر، قال حازم جركس رئيس دائرة آثار حماة: ابتدأ أسعد باشا العظم الذي كان والياً لحماة بعمارة قصر العظم سنة 1740م فأنشأ القاعة الكبرى “قاعة الذهب” في الطبقة العلوية، والإسطبل ومستودع العلف في الطبقة الأرضية ليقوم بعد ذلك نصوح باشا العظم بترميم، القاعة الكبرى سنة كانون الثاني 1780, وليحول هذا القصر من مقر لحكم الوالي إلى مكان خاص بالحريم يدعى الحرملك، وهي كلمة تركية تعني نسوي، وابتنى نصوح باشا قسماً ثانياً خاصاً بالرجال والضيوف يسمى السلاملك وهي كلمة تركية معناها موضع السلام ليكمل بعد ذلك أحمد مؤيد باشا العظم العمل في القصر فأنشأ في الطبقة الأرضية من الحرملك قبواً ملحقاً بالإسطبل واقعاً في جنوبه، وشيد فوقه جناحاً مناظراً للقاعة الكبرى من الجنوب في الطبقة العلوية يتألف من عدة غرف بعضها مزخرف منقوش وكان ذلك سنة (1824م).

كما أنشأ أحمد مؤيد باشا إيواناً بديعاً وعدة غرف بحرة كبرى مثمنة الشكل، في الطبقة الأرضية من الحرملك أيضاً وذلك في عام 1830م، فضلاً عن حمام خاصة بالقصر دعيت باسمه “حمام المؤيدية” وسكن هذا القصر بعد أحمد باشا أولاده وأحفاده إلى عام (1920م), ولما وضع الفرنسيون يدهم على قصر العظم بدمشق سارعت هيئة أمناء مدرسة دار العلم والتربية الأهلية بحماة إلى شراء قصر العظم حتى يبقى بأيدٍ وطنية أمينة، فاشترته من السيد ناصح المؤيد العظم بمبلغ (5000) خمسة آلاف ليرة ذهبية تبرع منها الملك فيصل الأول بألف.

وبقي هذا القصر مقر هذه المدرسة حتى عام (1956م)، إذ نجحت المساعي أخيراً باستملاكه من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف لتجعله متحفاً إقليمياً لمدينة حماة ومحافظتها، وصدر بتاريخ 22/9/1956م مرسوم ينص على ما يلي: ينشأ في مدينة حماة متحف إقليمي يكون مقره قصر العظم الأثري يدعى متحف محافظة حماة، ويخصص بآثار المدنيات التي تعاقبت على حوض العاصي وخاصة آثار مدينة حماة، ومنتجات فنونها وآثار تقاليدها الشعبية، وتقاليد كافة القرى التي تشملها محافظة حماة.

وهكذا حول هذا القصر إلى متحف في التاسع من تشرين الأول عام 1956م وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بعد ذلك بترميم هذا القصر ترميماً فنياً واسع النطاق ولاسيما القاعة الكبرى (قاعة الذهب)، فعاد إلى القصر بهاؤه وجماله، وما انمحى من زخارفه ورسومه وألوانه، وما فقد من قناديله وثرياته وشمسياته (نوافذه الجصية المخرمة)

 

 أقسام القصر

يعتبر قصر العظم مثالاً للبيت الشرقي العربي الأصيل الكامل حيث أنه يتألف من أربعة أقسام هي الحرملك فيه المدخل الرئيسي من الجهة الجنوبية يصل إلى ممر منكسر وذلك منعا للكشف والحماية يصل هذا الممر إلى فسحة سماوية كبيرة مبلط بالحجر الحموي وفي وسطها بركة ماء مثمنة الشكل فيها نوافير ماء وبجانبها شجرة المالونيا الشهيرة والتي تزهر ورود بغاية الجمال بشهري حزيران وتموز بالإضافة لشجر السرو والليمون والنارنج، كما يوجد إيوان في الجهة الجنوبية من القصر وعلى جانبيه غرفتين ذات عقود متصالبة وفي الجهة الشرقية من الباحة غرفة تستخدم لإدارة المتحف وبجانبها الخدمات بينما في الجهة الشمالية يوجد صالة تستخدم للعرض الماكيت للمتحف، كما يوجد أقسام عديدة تستخدم للعرض المتحفي اللباس والزي التراثي، قسم لنسج الأقمشة على النول، قسم النحاسيات وقسم الطباعة وصناعة النواعير واسطبلات فيها مربط للخيل ولها أبواب على البستان وهي تستخدم لإقامة الخيل.

بالإضافة لدرج حجري يصعد الطابق العلوي الواقع في الجهة الجنوبية من  القصر ويتألف من فسحة سماوية بوسطها بحرة صغيرة وغرف للبيت الريفي، والعاروس وعرض نماذج بينما في الجهة الشرقية يوجد رواق سقفه بدود خشبية ولها أقواس مدببة ويتم الدخول من خلالها إلى القاعة الذهبية المؤلفة من 3 أجنحة  في كل جناح مشربية خشبية ويوجد وسط القاعة نافورة صغيرة “فسقية” مؤلفة من 48 نافورة على أسابيع السنة ويقال أن لهذه النوافير ارتباط لنواعير حماة حيث أن كل نافورة تشير على ناعورة ما هي تعمل وتقوم بسقاية احد أحياء حماة فهي تعتبر تقويم مائي تدل على أرواء مدينة حماة وأرضية القاعة الذهبية من الرخام الملون المتداخل بأشكال هندسية، وهناك قسم السلاملك او قسم استقبال الرجال ويقع في القسم الشمالي من القصر وكذلك الحمام.

ولابد من الإشارة إلى غنى القصر بالزخارف بمختلف أنواعها وتقنياتها تزين الجدران والأسقف والأرضيات والنوافذ ومختلف زوايا الغرف وذلك بمنتهى الدقة في صناعتها وغناها الفني وتنوع موضوعاتها.