مجلة البعث الأسبوعية

آوابد آثاريّة ومواقع سياحية جولانيّة

البعث الأسبوعية – محمد غالب حسين

الجولان منجم زاخر للآثار المنقولة وغير المنقولة المغرقة في القِدم والعصور الزمانية والآثارية المتعاقبة ؛ لأن موقع الجولان الفريد المتميز كبوابة للعبور إلى فلسطين ومصر والأردن ولبنان إضافة لامتلاكه المقومات الجغرافية والاقتصادية الملائمة للسكن والحياة والبناء والاستقرار ؛ جعله مستقراً للحضارة والعمران منذ الأزمان السحيقة .

 

بانياس الجولان

هي بلدة في الجولان (محافظة القنيطرة) تتبع لناحية مسعدة ؛ ومنطقة القنيطرة ، تقع على الزاوية الشمالية الشرقية لسهل الحولة ؛ وشمال غرب مدينة القنيطرة ب ( ٢٥ ) كم ؛ مرتفعة ( ٣٢٩ ) متراً عن سطح البحر .

وقد ذكر المؤرخون العرب بانياس كثيراً . فقال عنها اليعقوبي في كتابه البلدان : ( بانياس قصبة في الجولان . وأكثر أهلها قيسيون ) . كما أوردها ابن شداد قائلاً : ( بانياس مدينة كورة الجولان . ولها قلعة تُسمّى : الصّبيبة ) . ووصفها القلقشندي بقوله : ( بانياس مدينة من جند دمشق واقعة في الإقليم الثالث على مرحلة ونصف من دمشق من جهة الغرب مع ميلة للجنوب في لحف جبل الشيخ المطل عليها ) .

وذُكرت بانياس أيضاً في كتاب يوسينوس الذي قال عنها : ( هي مدينة فينيقية ) .

وجاء ذكر بانياس أيضاً في إنجيل ( مَتّى ) باسم قيصرية (فيليبس ) الذي وهبَه إياها والده (هيردوس الكبير) ؛ فوسّع حدودها ؛ وسمّاها قيصرية تكريماً لطيباريوس قيصر الذى بنى له فيها هيكلاً من المرمر الأبيض .

أما اسم بانياس فينسبه بعض المؤرخين إلى ( بان ) إله الغابات والرعاة والحقول والمواشي والصيادين . ويعتقد بعضهم أن بانياس هي ( بعلجاد ) الواردة في الإنجيل ؛ وتعني معسكر البطل .

كما أطلق حاكم بانياس أغريبا الثاني عليها اسم ( نيورنيوس ) و ( نيرونياس )

نسبة للقيصر نيرون حاكم روما .

وثمّة من يؤكّد أن السيد المسيح عليه السلام زار بانياس ؛ وشفى بإذن الله إحدى فتياتها التي كانت تنزف دماً .

ومن مشاهير بانياس القديس غريغوريوس البانياسي الذي نبغ ؛ واشتهر ؛ وذاع صيته عام ٨٣٧ م .

ويُنسب لبلدة بانياس كرسي أسقفية بانياس للروم الكاثوليك ؛ وأول أسقف لها اريسطوس الذي ذكره القديس بولس .

وتضمّ بانياس بعض الآثار الدينية الهامة كانقاض الهيكل والجسر الحجري المتهالك .

وفيها أيضاً ضريح الزاهد الكبير ابراهيم بن أدهم البلخي ( السلطان ابراهيم ) الذي عاش ؛ ومات ؛ ودُفن فيها في بداية القرن الهجري الثاني . وقد روى سفيان الثّوري أكثر من حديث عن أهمية بانياس التي تسكنها جماعة ( البلوطيين ) الذين كانوا يقتاتون ثمر البلوط زهداً وتعففاً ، ويعيشون بأكواخ من أغصان البلوط أيضاً . وقد فتح العرب المسلمون بانياس عام ٦٣٦ م ؛ فأصبحت حاضرة عامرة ؛ وازدهرت تجارياً وزراعياً ؛ وزادت أهميتها العسكرية لموقعها الاستراتيجي .

 

نهر البانياسي

وينبع من بانياس نهر البانياسي على ارتفاع ( ٣٢٩ ) متراً ؛ بصبيب قدره عشرون متراً مكعباً بالثانية مؤلّفاً حوضاً نصف دائري يتراوح عرضه بين ( ٤ – ٦ ) م ؛ وأهمّ روافده أودية : العسل والسّعّار والخشّابي . وبعد أن يروي بساتين قرية بانياس ، يتابع مجراه محاذياً سهل الحولة حيث يبلغ طوله ( ٩ ) كم . ويعتبر نهر البانياسي من أهم المصادر المائية التي تشكّل نهر الأردن ؛ لأنّه يمدّه سنوياً ب ( ١٥٧ ) مليون م٣ من المياه .

اما نهر القاضي ( الدّان ) فينبع من تل القاضي الواقع غرب بانياس ؛ وهو أغزر روافد نهر الأردن . وبعد سيره ( ٤ ) كم ؛ يلتقي مع نهر البانياسي حيث يتحد النهران لمسافة ( ٢٥٠٠ ) متر ؛ ليرفدا نهر الحاصباني شمال تل الشيخ يوسف ؛ ليتشكّل بذلك نهر الأردن .

 

قلعة الصّبيبة

تقع قلعة الصّبيبة ( النمرود ) شمال قرية بانياس ، ويعود تاريخ بنائها للقرن الحادي عشر الميلادي : ١٢٣٠ م فوق جبل يبلغ ارتفاعه ( ٨١٦ ) متراً ذي منحدرات شاقولية من ثلاث جهات ؛ لتشرف ؛ وتسيطر على عدة ممرات وطرق إجبارية . ولا يمكن الوصول للقلعة إلا من الجهة الرابعة عبر مدخل في طرفها الجنوبي الغربي بين برجين كبيرين . ويبلغ طول القلعة (٤٢٠ ) متراً ؛ وعرضها مابين ( ٦٠ و ١٥٠ ) متراً ؛ وتضمّ ( ١٤ ) برجاً ؛ سبعة منها على شكل نصف دائرة ؛ والسبعة الأخرى على شكل مربع ، كما يحيط بالأبراج خندق على شكل مثلث طويل الأعضاء ؛ يضمّ بداخله منازل الجند وقائد القلعة التي تزيد سماكة جدرانها على أربعة أمتار ؛ وفي أعلى الجدران ممرات عُلوية ؛ تزيد حركة الجيش سرعة وانتشاراً .

وقلعة الصبيبة من أمنع قلاع الجولان وأحصنها وأمتنها ؛ وكانت الحصن الحصين المنيع الذي يرد الغزاة والطامعين ؛ خاصة إبان الحروب الصليبية .

 

كنوز ذهبية

وقد اكتسفت بعثات التنقيب الأثرية التي جرت في بانياس قبل عام ١٩٦٧ م لقى وأوابد ومدافن آثارية كثيرة .

فأمام مغارة بانياس يوجد بقايا هيكل محفور على الصخر ؛ وغرب القرية عُثر على توابيت حجرية وقبور مبنية بأحجار منحوتة .

وفي عام ١٩٥٦م تمّ اكتشاف آنية فخارية فيها ( ٣٦٦ ) درهماً تعود للعصور الرومانية ، وسور يعود للعصر الإسلامي الأيوبي مرتبط بأربعة أبراج مرتفعة ؛ تهدّم أكثرها .

وفي عام ١٩٦١م عثرت بعثة التنقيب الوطنية على كنز ذهبي محفوظ في المتحف الوطني بدمشق . وعام ١٩٦٤ م عُثر أيضاً على كنز ذهبي مؤلف من صفيحتين ذهبيتين ؛ طول الواحدة ( ٢٠ ) سم ؛ وعرضها ( ٨ ) سم ؛ تحملان وجوه أباطرة رومانيين .

كما وُجد في بانياس أيضاً أساور وأقراط ذهبية إضافة لحلي ذهبية مكسّرة ؛ منها ست أساور ذهبية مرصّعة بأحجار كريمة من زمرد ولؤلؤ ، وثياب من البروكار ؛ مازالت محتفظة بخيوطها الحريرية والذهبية فضلاً عن قطع نقدية من عصور مختلفة.

وقد اندثرت معظم آثار بانياس القديمة ؛ ولم يبق منها سوى أطلال وخرائب ؛ وبقايا الأعمدة والتيجان ؛ والأبراج والأحجار المنحوتة ؛ وآثار المباني والنقوش الفسيفسائية البديعة . وعلى إحدى البوابات الباقية ؛ كُتبت العبارة الآتية : ( أمر بعمارة هذا الثغر المبارك الأمير الكبير الموفق الغازي في سبيل الله ناصر أمير المؤمنين سنة : سبع وستين وخمسمائة . صنعه أبو الفضل ) .

 

أميرة بانياس

في تل الحمراء الذي يرتفع ( ٢٧٥ ) م ؛ ويقع غرب بانياس ب ( ٥٠٠ ) م هناك مغارة لها باب بازلتي ؛ بداخلها ناووسان .

كما يضم التلّ كهوفاً ومغاور ومقابر مغرقة بالقدم .

وفي عام ١٩٦٥ م عثرت بعثة أثرية وطنية على قبور منحوتة في الصخر في قمة جبل المعبد ؛ يُعتقد أنها قبور ملكيّة ؛ كما وجدت البعثة أيضاً تمثالاً نصفياً لأميرة بانياس وحسناء الجولان على شكل ميدالية من البرونز ؛ تعود للقرن الأول الميلادي ؛ وهو محفوظ في المتحف الوطني بدمشق .

ونظراً للأهمية الفنية والتاريخية لهذا التمثال فقد تمّ اختياره ؛ ليتمّ توثيقه بالنقد العربي السوري ؛ وتحديداً الورقة فئة الخمسمائة ليرة سورية حيث تبدو صورة أميرة الجولان ؛ وحسناء بانياس واضحة عليها جانب الملكة زنوبيا.

 

إلهة الجمال

كما يقع تل القاضي الأثري غرب قرية بانياس على مقربة من الحدود السورية الفلسطينية ؛ وقربه عين ماء عذبة .

ويُرجّح الآثاريون أن التلّ كان مدينة عامرة ورد ذكرها في نصوص مملكة ماري التي تؤرّخ للنصف الثاني من القرن الثامن عشر قبل الميلاد .

ويعتقد الباحثون أن مدينة تل القاضي البائدة كانت عامرة في عصر البرونز الأول ؛ وتُزامن مملكة إيبلا .

ومن اللقى الأثرية في تل القاضي تمثال الإلهة أفروديت الرّخامي ؛ إضافة لقطع نقدية وقناديل وفخاريات وزجاجيات وأقنية فخارية لجرّ المياه ؛ وبقايا سد مائي لرفع منسوب المياه ؛ دالاً على علم هندسي زراعي متقدّم .