ثقافةصحيفة البعث

التضمين بأنواعه في مجموعة هناء داوودي الجديدة

“نواقيس الأمنيات – حيّ على الفرح” عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعرة هناء داوودي الصادرة عن دار سين، والتي تأتي ضمن مسارها الأدبي بتبني قصيدة النثر التي لا تخلو في مواضع من الوزن والجرس الموسيقي مثل قصيدة التفعيلة، وهذا المزج بأسلوبها تماهى مع جمالية الصور المستمدة من إيحاءات رمزية مثل الضوء والعطر والفجر والليل والمطر، لتتوازى مع الخطاب المباشر بضمير المتكلم أنا، وباستخدام أسلوب الأمر من خلال فعل الأمر أو الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر أو اللا الناهية الجازمة.

والملفت بالمجموعة استنادها إلى التضمين الكليّ والجزئي، إذ اعتمدت على تضمين جزء من الآذان مع التغيير، فبدلاً من الدعوة إلى الصلاة في حيّ على الصلاة دعت إلى الفرح –حيّ على الفرح- رغم وجود بعض القصائد التي هيمنت عليها رياح اليأس ويباس العمر، كما في نصّ “قبل فوات العشق” بتضمين المصطلح المتداول “قبل فوات الأوان”:

“ملامح الهوى قضمها الوقت

ومراكب الشوق تصدّعت

بفعل الانتظار”

التضمين الديني والاجتماعي

ويبدو أن التضمين لم يكن فقط بالعنوان، إذ تكرّر بأكثر من موضع، كما في القصيدة التي عنوّنتها بـ “أضغاث حياة” بالتضمين من القرآن الكريم لمفردة “أضغاث” التي وردت في سورة يوسف الآية 44 “قالوا أضغاث أحلام”، وفيها تتساءل عن الأقدار؟ لماذا لا تغيّر مسارها؟ وتحنو على المساكين الذين يئنون من الحرب:

“ماذا لو خضعت

لهم الأقدار لمرة

لو جاءتهم

بكل عطاياها

بدفئها

بسكينتها

بإشراقتها

أو بغد مكتمل الأمنيات”

كما طال التضمين شيئاً من نشرة الأخبار بورود “خبر عاجل”، فوّظفته بعنوان إحدى القصائد مع بعض المفردات التي ترد بنشرة الأخبار مثل الرديفة– السياج– الفاصل- المشهد- لتنتهي القصيدة بإحكام السيطرة على القلب:

“أشواقنا الرديفة

قد أحكمت سيطرتها

على كلّ مداخل القلب

فأطرز بصوتي

ضحكة طويلة طويلة

على هامش الخبر”

والملفت هو التضمين من مناسك الحج، موظفة مفردة “لبيك” التي تعني النداء “لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”، فتقول في نصّ “مناسك حبّ”:

“مرددة لبيك يا أنا

لبيك يا أنت

لا شريك في القلب سواك

لاشريك إلا أنت”

ومن قيامة المسيح وعيد الفصح المجيد تضمّنت مفردة “القيامة” ومعانيها في قيامة الحزن التي تنشب من ذكرى حب غادر، واستخدام اللا الناهية الجازمة بأسلوب الأمر للابتعاد عن طريق الحب:

“لا تلتفتوا للحب

لا تمشوا في مناكبه

لئن بلغتموه

إنكم إذاً لمنسيون”

مدينة العطر

ومن التضمين إلى الوطن الذي لا مثيل له والذي خصّته بقصائد عدة، منها “وطن ليس كسواه”:

“هو وطن أعشقه

فله ومنه وعليه السلام”

إلى الارتباط بالمكان وبمدينة الشاعرة مدينة العطر والياسمين التي نفضت عنها غبار الحرب وردّت على الغدر بالنهوض من جديد:

“هي الشام

تفيض حسناً ونوراً بعد ظلام

تزيل سواتر القهر

تكنُس التعب

تردّ غدر اللئام”

الحبّ وفيروز

ومثل سائر مجموعات هناء داوودي يتخذ الحب صوراً متأرجحة بين فرح اللقاء وأنين الحنين ووجع الغياب، لكن الأكثر حضوراً هو الاعتراف بعدم القدرة على النسيان والاستسلام لجمالية الذكرى التي تمنح الأنثى العاشقة بعد الفراق روحاً جديدة، تعيش في ثناياها من صوت الحنين لذاك العشق البعيد، كما في قصيدة ما من سبيل للنسيان:

“هو لم يكن القابل للنسيان

وهي لم تود يوماً

أن تنسى

لعبة الغياب لا تجدي

مادامت الملتصقة به

ماقبل الوقت

وما بعد الحب

في نسيان نسيانها”

وفي قصيدة “لا أحبك” تستحضر أغنية فيروز (كبر البحر وبعد السما بحبك ياحبيبي.. بحبك).

استعادة الذات

ورغم مرارة الذكرى تدعو هناء داوودي في مجموعتها الأنثى إلى لملمة أحزان قلبها، ومحاولة استعادة ذاتها رغم الألم والإحساس بأن كلّ الأشياء تتلاشى، وتحاول النهوض من جديد والتكيّف مع الواقع والاستمرار بالحياة، في قصيدة مكاشفات:

“لسنا الأفضل في قنص اللحظة

لكننا تعلمنا كيف ننبش الفرح

في أديم الروح

كيف نطوي مسافات القهر طياً؟

لنفوذ برهان الحياة

قبل أن يصادفنا الموت”

النهاية هي البداية

وتنهي داوودي الدائرة في قصيدة “أمل مشروع” لتعود إلى نقطة البدء، متسائلة عن نواقيس الأمنيات التي تغفو على الأجفان منتظرة شعاع فجر جديد، يحمل السلام والأمان الذي رمزت له بالورود، مختارة زهرة المانوليا البيضاء وزلال الورد بإيحاءات ترمي إلى صفاء النفس ونقاء القلب وتلاشي الخيبات وتجاوزات لغصات مؤلمة توخز القلب.

“كيف لامرأة مثلي

أن تبتكر طرقاً جديدة للعيش

كأن تخترع بلاداً مسورة

بالمانوليا

ومطلية بزلال الورد”.

ملده شويكاني